دموع القمر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عزيزى الزائر ، عزيزتى الزائرة
شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Star3 يرجى التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معانا
او التسجيل ان لم تكن عضو معانا وتحب الانضمام الى منتدايات دموع القمر
سنتشرف بتسجيلك
شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Star3 شـــــكــــرآ
شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Star3 أدارة المنتدى
دموع القمر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عزيزى الزائر ، عزيزتى الزائرة
شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Star3 يرجى التكرم بتسجيل الدخول اذا كنت عضو معانا
او التسجيل ان لم تكن عضو معانا وتحب الانضمام الى منتدايات دموع القمر
سنتشرف بتسجيلك
شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Star3 شـــــكــــرآ
شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Star3 أدارة المنتدى
دموع القمر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دموع القمر

عــــالــم مـن الأبــداع و الـتـمـيـز
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 شرح وتفسير القرآن الكريم

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
جـفـون الـقـمـر

جـفـون الـقـمـر


انثى عدد المساهمات : 160
نقاط : 4
تاريخ التسجيل : 19/05/2010

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح وتفسير القرآن الكريم   شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Icon_minitimeالأربعاء يونيو 02, 2010 10:17 am

الآيه(7) من سورة البقرة


(خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )(7)



شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 1

قال السّدي: ( خَتَمَ اللَّهُ ) أي: طبع الله، وقال قتادة في هذه الآية: استحوذ عليهم الشيطان إذ أطاعوه؛ فختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، فهم لا يبصرون هدى ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون.

وقال ابن جُرَيْج: قال مجاهد: ( خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) قال: نبئت أن الذنوب على القلب تحف به من كل نواحيه حتى تلتقي عليه، فالتقاؤها عليه الطبع، والطبع الختم، قال ابن جريج: الختم على القلب والسمع.

قال ابن جُرَيْج: وحدثني عبد الله بن كَثير، أنه سمع مجاهدًا يقول: الرّانُ أيسر من الطبع، والطبع أيسر من الأقفال، والأقفال أشد ذلك كله.

وقال الأعمش: أرانا مجاهد بيده فقال: كانوا يرون أن القلب في مثل هذه -يعني: الكف-فإذا أذنب العبد ذنبًا ضُمَّ منه، وقال بأصبعه الخنصر هكذا، فإذا أذنب ضَمّ. وقال بأصبع أخرى، فإذا أذنب ضُمّ. وقال بأصبع أخرى هكذا، حتى ضم أصابعه كلها، ثم قال : يطبع عليه بطابع.

وقال مجاهد: كانوا يرون أن ذلك: الرين.

ورواه ابن جرير: عن أبي كُرَيْب، عن وَكِيع، عن الأعمش، عن مجاهد، بنحوه.

وقال ابن جرير: وقال بعضهم: إنما معنى قوله: ( خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) إخبار من الله عن تكبرهم، وإعراضهم عن الاستماع لما دُعُوا إليه من الحق، كما يقال: إن فلانًا لأصَمّ عن هذا الكلام، إذا امتنع من سماعه، ورفع نفسه عن تفهمه تكبرًا.

قال: وهذا لا يصح؛ لأن الله قد أخبر أنه هو الذي ختم على قلوبهم وأسماعهم.

(قلت): وقد أطنب الزمخشري في تقرير ما رده ابن جرير هاهنا وتأول الآية من خمسة أوجه وكلها ضعيفة جدًا، وما جرأه على ذلك إلا اعتزاله؛ لأن الختم على قلوبهم ومنعها من وصول الحق إليها قبيح عنده -تعالى الله عنه في اعتقاده-ولو فهم قوله تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وقوله وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ وما أشبه ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى إنما ختم على قلوبهم وحال بينهم وبين الهدى جزاءً وفاقًا على تماديهم في الباطل وتركهم الحق، وهذا عدل منه تعالى حسن وليس بقبيح، فلو أحاط علمًا بهذا لما قال ما قال، والله أعلم.

قال القرطبي: وأجمعت الأمة على أن الله عز وجل قد وصف نفسه بالختم والطبع على قلوب الكافرين مجازاة لكفرهم كما قال: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ وذكر حديث تقليب القلوب: "ويا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك"، وذكر حديث حذيفة الذي في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها < 1-175 > نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مرباد كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا" الحديث.

قال والحق عندي في ذلك ما صَحّ بنظيره الخبرُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما حدثنا به محمد بن بشار، حدثنا صفوان بن عيسى، حدثنا ابن عَجْلان، عن القعقاع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن المؤمن إذا أذنب ذنبًا كانت نُكْتة سوداء في قلبه فإن تاب ونـزعَ واستعتب صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي قال الله تعالى: كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين: 14] ) .

وهذا الحديث من هذا الوجه قد رواه الترمذي والنسائي، عن قتيبة، عن الليث بن سعد، وابن ماجه عن هشام بن عمار عن حاتم بن إسماعيل والوليد بن مسلم، ثلاثتهم عن محمد بن عجلان، به .

وقال الترمذي: حسن صحيح.

ثم قال ابن جرير: فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله تعالى والطبع، فلا يكون للإيمان إليها مسلك، ولا للكفر عنها مخلص، فذلك هو الختم والطبع الذي ذكر في قوله تعالى: ( خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ) نظير الطبع والختم على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف، التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض ذلك عنها ثم حلها، فكذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قلوبهم وعلى سمعهم إلا بعد فض خاتمه وحَلّه رباطه [عنها] .

واعلم أن الوقف التام على قوله تعالى: ( خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ) ، وقوله ( وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ) جملة تامة، فإن الطبع يكون على القلب وعلى السمع، والغشاوة -وهي الغطاء-تكون على البصر، كما قال السدي في تفسيره عن أبي مالك، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرّة الهَمْداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ) يقول: فلا يعقلون ولا يسمعون، ويقول: وجعل على أبصارهم غشاوة، يقول: على أعينهم فلا يبصرون.

قال ابن جرير: حدثني محمد بن سعد حدثنا أبي، حدثني عمي الحسين بن الحسن، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس: ( خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ) والغشاوة على أبصارهم.

وقال: حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، يعني ابن داود، وهو سُنَيد، حدثني حجاج، وهو ابن محمد الأعور، حدثني ابن جريج قال : الختم على القلب والسمع، والغشاوة على البصر، قال الله تعالى : فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ [الشورى: 24]، وقال وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً [الجاثية: 23] .

< 1-176 >

قال ابن جرير: ومن نصب غشاوة من قوله تعالى: ( وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ) يحتمل أنه نصبها بإضمار فعل، تقديره: وجعل على أبصارهم غشاوة، ويحتمل أن يكون نصبها على الإتباع، على محل ( وَعَلَى سَمْعِهِمْ ) كقوله تعالى: وَحُورٌ عِينٌ [الواقعة: 22]، وقول الشاعر:

عَلَفْتُهـــا تبنًــا ومــاء بــاردًا

حــتى شَــتتْ هَمَّالَــةً عيناهــا


وقال الآخر:

ورأيــت زَوْجَــك فــي الـوغى

متقلِّــــدًا ســــيفًا ورُمْحًـــا


تقديره: وسقيتها ماء باردًا، ومعتَقِلا رمحًا.

لما تقدم وصف المؤمنين في صدر السورة بأربع آيات، ثم عرّف حال الكافرين بهاتين الآيتين، شرع تعالى في بيان حال المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ولما كان أمرهم يشتبه على كثير من الناس أطنب في ذكرهم بصفات متعددة، كل منها نفاق، كما أنـزل سورة براءة فيهم، وسورة المنافقين فيهم، وذكرهم في سورة النور وغيرها من السور، تعريفا لأحوالهم لتجتنب، ويجتنب من تلبس بها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جـفـون الـقـمـر

جـفـون الـقـمـر


انثى عدد المساهمات : 160
نقاط : 4
تاريخ التسجيل : 19/05/2010

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح وتفسير القرآن الكريم   شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Icon_minitimeالأربعاء يونيو 02, 2010 10:20 am

الآية(8)و(9) من سورة البقرة

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (9)

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 1


النفاق:
هو إظهار الخير وإسرار الشر،

وهو أنواع:


1اعتقادي، وهو الذي يخلد صاحبه في النار،

2وعملي وهو من أكبر الذنوب،


كما سيأتي تفصيله في موضعه، إن شاء الله تعالى، وهذا كما قال ابن جريج: المنافق يخالف قَوْلُه فِعْلَهُ، وسِرّه علانيته، ومدخله مخرجه، ومشهده مَغِيبه.

وإنما نـزلت صفات المنافقين في السّور المدنية؛ لأن مكة لم يكن فيها نفاق، بل كان خلافه، من الناس من كان يظهر الكفر مُسْتَكْرَها، وهو في الباطن مؤمن، فلمَّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكان بها الأنصار من الأوس والخزرج، وكانوا في جاهليتهم يعبدون الأصنام، على طريقة مشركي العرب، وبها اليهود من أهل الكتاب على طريقة أسلافهم، وكانوا ثلاث قبائل: بنو قَيْنُقَاع حلفاء الخزرج، وبنو النَّضِير، وبنو قُرَيْظَة حلفاء الأوس، فلمَّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وأسلم من أسلم < 1-177 > من الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج، وقل من أسلم من اليهود إلا عبد الله بن سَلام، رضي الله عنه، ولم يكن إذ ذاك نفاق أيضا؛ لأنه لم يكن للمسلمين بعد شوكة تخاف، بل قد كان، عليه الصلاة والسلام، وَادَعَ اليهود وقبائل كثيرة من أحياء العرب حوالي المدينة، فلما كانت وقعة بدر العظمى وأظهر الله كلمته، وأعلى الإسلام وأهله، قال عبد الله بن أبيّ ابن سلول، وكان رأسا في المدينة، وهو من الخزرج، وكان سيد الطائفتين في الجاهلية، وكانوا قد عزموا على أن يملّكوه عليهم، فجاءهم الخير وأسلموا، واشتغلوا عنه، فبقي في نفسه من الإسلام وأهله، فلما كانت وقعة بدر قال: هذا أمر قد تَوَجَّه فأظهر الدخول في الإسلام، ودخل معه طوائف ممن هو على طريقته ونحلته، وآخرون من أهل الكتاب، فمن ثَمّ وُجِد النفاق في أهل المدينة ومن حولها من الأعراب، فأما المهاجرون فلم يكن فيهم أحد، لأنه لم يكن أحد يهاجر مكرَهًا، بل يهاجر ويترك ماله، وولده، وأرضه رغبة فيما عند الله في الدار الآخرة.

قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكْرِمة، أو سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) يعني: المنافقين من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم.

وكذا فسَّرها بالمنافقين أبو العالية، والحسن، وقتادة، والسدي.

ولهذا نبَّه الله، سبحانه، على صفات المنافقين لئلا يغترّ بظاهر أمرهم المؤمنون، فيقع بذلك فساد عريض من عدم الاحتراز منهم، ومن اعتقاد إيمانهم، وهم كفار في نفس الأمر، وهذا من المحذورات الكبار، أن يظن بأهل الفجور خَيْر، فقال تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ) أي: يقولون ذلك قولا ليس وراءه شيء آخر، كما قال تعالى: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ [المنافقون: 1] أي: إنما يقولون ذلك إذا جاؤوك فقط، لا في نفس الأمر؛ ولهذا يؤكدون في الشهادة بإن ولام التأكيد في خبرها؛ كما أكَّدوا قولهم: ( آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ ) وليس الأمر كذلك، كما أكْذبهم الله في شهادتهم، وفي خبرهم هذا بالنسبة إلى اعتقادهم، بقوله: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون: 1]، وبقوله ( وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ )

وقوله تعالى: ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) أي: بإظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر، يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك، وأن ذلك نافعهم عنده، وأنه يروج عليه كما يروج على بعض المؤمنين، كما قال تعالى: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ [المجادلة: 18]؛ ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله: ( وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) يقول: وما يَغُرُّون بصنيعهم ولا يخدعون إلا أنفسهم، وما يشعرون بذلك من أنفسهم، كما قال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء: 142].

ومن القراء من قرأ: "وَمَا يُخَادِعُونَ إِلا أَنفُسَهُمْ"، وكلا القراءتين ترجع إلى معنى واحد.

< 1-178 >

قال ابن جرير: فإن قال قائل: كيف يكون المنافق لله وللمؤمنين مخادعًا، وهو لا يظهر بلسانه خلاف ما هو له معتقد إلا تقية؟

قيل: لا تمتنع العرب أن تسمي من أعطى بلسانه غير الذي في ضميره تقية، لينجو مما هو له خائف، مخادعا، فكذلك المنافق، سمي مخادعا لله وللمؤمنين، بإظهاره ما أظهر بلسانه تقية، مما تخلص به من القتل والسباء والعذاب العاجل، وهو لغير ما أظهر، مستبطن، وذلك من فعلِه -وإن كان خداعًا للمؤمنين في عاجل الدنيا-فهو لنفسه بذلك من فعله خادع، لأنه يُظْهِر لها بفعله ذلك بها أنَّه يعطيها أمنيّتها، ويُسقيها كأس سرورها، وهو موردها به حياض عطبها، ومُجرّعها بها كأس عذابها، ومُزيرُها من غضب الله وأليم عقابه ما لا قبَلَ لها به، فذلك خديعته نفسه، ظنًا منه -مع إساءته إليها في أمر معادها-أنه إليها محسن، كما قال تعالى: ( وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) إعلامًا منه عِبَادَه المؤمنين أنّ المنافقين بإساءتهم إلى أنفسهم في إسْخَاطهم عليها ربهم بكفرهم، وشكهم وتكذيبهم، غير شاعرين ولا دارين، ولكنهم على عمياء من أمرهم مقيمون .

وقال ابن أبي حاتم: أنبأنا عليّ بن المبارك، فيما كتب إليّ، حدثنا زيد بن المبارك، حدثنا محمد بن ثور، عن ابن جُرَيْج، في قوله تعالى: ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ ) قال: يظهرون "لا إله إلا الله" يريدون أن يحرزوا بذلك دماءهم وأموالهم، وفي أنفسهم غير ذلك .

وقال سعيد، عن قتادة: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) نعت المنافق عند كثير: خَنعُ الأخلاق يصدّق بلسانه وينكر بقلبه ويخالف بعمله، يصبح على حال ويمسي على غيره، ويمسي على حال ويصبح على غيره، ويتكفأ تكفأ السفينة كلما هبَّت ريح هبّ معها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جـفـون الـقـمـر

جـفـون الـقـمـر


انثى عدد المساهمات : 160
نقاط : 4
تاريخ التسجيل : 19/05/2010

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح وتفسير القرآن الكريم   شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Icon_minitimeالأربعاء يونيو 02, 2010 10:23 am

الآية(10)
من سورة البقرة
(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) (10)


شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 1

قال السدي، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرّة الهمداني عن ابن مسعود، وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) قال: شَكٌّ، ( فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ) قال: شكًّا.

وقال [محمد] بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عِكْرِمة، أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس [في قوله] : ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) قال: شك.

< 1-179 >

وكذلك قال مجاهد، وعكرمة، والحسن البصري، وأبو العالية، والرّبيع بن أنس، وقتادة.

وعن عكرمة، وطاوس: ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) يعني: الرياء.

وقال الضحاك، عن ابن عباس: ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) قال: نفاق ( فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ) قال: نفاقا، وهذا كالأول.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) قال: هذا مرض في الدين، وليس مرضًا في الأجساد، وهم المنافقون. والمرض: الشك الذي دخلهم في الإسلام ( فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ) قال: زادهم رجسًا، وقرأ: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة: 124، 125] قال: شرًا إلى شرهم وضلالة إلى ضلالتهم.

وهذا الذي قاله عبد الرحمن، رحمه الله، حسن، وهو الجزاء من جنس العمل، وكذلك قاله الأولون، وهو نظير قوله تعالى أيضًا: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [محمد: 17].

وقوله ( بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) وقرئ: "يكذّبون"، وقد كانوا متصفين بهذا وهذا، فإنهم كانوا كذبة يكذبون بالحق يجمعون بين هذا وهذا. وقد سئل القرطبي وغيره من المفسرين عن حكمة كفه، عليه السلام، عن قتل المنافقين مع علمه بأعيان بعضهم، وذكروا أجوبة عن ذلك منها ما ثبت في الصحيحين: أنه قال لعمر: "أكره أن يتحدث العرب أن محمدًا يقتل أصحابه" ومعنى هذا خشية أن يقع بسبب ذلك تغير لكثير من الأعراب عن الدخول في الإسلام ولا يعلمون حكمة قتله لهم، وأن قتله إياهم إنما هو على الكفر، فإنهم إنما يأخذونه بمجرد ما يظهر لهم فيقولون: إن محمدًا يقتل أصحابه، قال القرطبي: وهذا قول علمائنا وغيرهم كما كان يعطي المؤلفة قلوبهم مع علمه بشر اعتقادهم. قال ابن عطية: وهي طريقة أصحاب مالك نص عليه محمد بن الجهم والقاضي إسماعيل والأبهري وابن الماجشون. ومنها: ما قال مالك، رحمه الله: إنما كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنافقين ليبين لأمته أن الحاكم لا يحكم بعلمه.

قال القرطبي: وقد اتفق العلماء عن بكرة أبيهم على أن القاضي لا يقتل بعلمه، وإن اختلفوا في سائر الأحكام، قال:
ومنها ما قال الشافعي: إنما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل المنافقين ما كانوا يظهرونه من الإسلام مع العلم بنفاقهم؛ لأن ما يظهرونه يجبّ ما قبله. ويؤيد هذا قوله، عليه الصلاة والسلام، في الحديث المجمع على صحته في الصحيحين وغيرهما: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله، عز وجل"
. ومعنى هذا: أن من قالها جرت عليه أحكام الإسلام ظاهرًا، فإن كان يعتقدها وجد ثواب ذلك في الدار الآخرة، وإن لم يعتقدها لم ينفعه في الآخرة جريان الحكم عليه في الدنيا، وكونه كان < 1-180 > خليط أهل الإيمان يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ الآية [الحديد: 14]، فهم يخالطونهم في بعض المحشر، فإذا حقت المحقوقية تميزوا منهم وتخلفوا بعدهم وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ [سبأ: 54] ولم يمكنهم أن يسجدوا معهم كما نطقت بذلك الأحاديث، ومنها ما قاله بعضهم: أنه إنما لم يقتلهم لأنه كان يخاف من شرهم مع وجوده، عليه السلام، بين أظهرهم يتلو عليهم آيات الله مبينات، فأما بعده فيقتلون إذا أظهروا النفاق وعلمه المسلمون، قال مالك: المنافق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزنديق اليوم. قلت: وقد اختلف العلماء في قتل الزنديق إذا أظهر الكفر هل يستتاب أم لا. أو يفرق بين أن يكون داعية أم لا أو يتكرر منه ارتداده أم لا أو يكون إسلامه ورجوعه من تلقاء نفسه أو بعد أن ظهر عليه؟ على أقوال موضع بسطها وتقريرها وعزوها كتاب الأحكام.

(تنبيه)
قول من قال: كان عليه الصلاة والسلام يعلم أعيان بعض المنافقين إنما مستنده حديث حذيفة بن اليمان في تسمية أولئك الأربعة عشر منافقًا في غزوة تبوك الذين هموا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلماء الليل عند عقبة هناك؛ عزموا على أن ينفروا به الناقة ليسقط عنها فأوحى الله إليه أمرهم فأطلع على ذلك حذيفة. ولعل الكف عن قتلهم كان لمدرك من هذه المدارك أو لغيرها والله أعلم.

فأما غير هؤلاء فقد قال تعالى: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ الآية، وقال تعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا ففيها دليل على أنه لم يغر بهم ولم يدرك على أعيانهم وإنما كانت تذكر له صفاتهم فيتوسمها في بعضهم كما قال تعالى: وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وقد كان من أشهرهم بالنفاق عبد الله بن أبي بن سلول وقد شهد عليه زيد بن أرقم بذلك الكلام الذي سبق في صفات المنافقين ومع هذا لما مات [صلى عليه] صلى الله عليه وسلم وشهد دفنه كما يفعل ببقية المسلمين، وقد عاتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه فقال: "إني أكره أن تتحدث العرب أن محمدًا يقتل أصحابه" وفي رواية في الصحيح "إني خيرت فاخترت" وفي رواية "لو أني أعلم لو زدت على السبعين يغفر الله له لزدت".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جـفـون الـقـمـر

جـفـون الـقـمـر


انثى عدد المساهمات : 160
نقاط : 4
تاريخ التسجيل : 19/05/2010

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح وتفسير القرآن الكريم   شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Icon_minitimeالأربعاء يونيو 02, 2010 10:25 am

الايه( 11) و (12 )
من سورة البقرة

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ )(12)

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 1

قال السدي في تفسيره، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مُرّة الطيب الهمداني، عن ابن مسعود، وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ) أما لا تفسدوا في الأرض، قال: الفساد هو الكفر، والعمل بالمعصية.

وقال أبو جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، في قوله تعالى: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ ) قال: يعني: لا تعصُوا في الأرض، وكان فسادهم ذلك معصية الله؛ لأنه من عصى الله في الأرض أو أمر بمعصية الله، فقد أفسد في الأرض؛ لأن صلاح الأرض والسماء بالطَّاعة.

وهكذا قال الربيع بن أنس، وقتادة.

وقال ابن جُرَيْج، عن مجاهد: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ ) قال: إذا ركبوا معصية الله، فقيل لهم: لا تفعلوا كذا وكذا، قالوا: إنما نحن على الهدى، مصلحون.

< 1-181 >

وقد قال وَكِيع، وعيسى بن يونس، وعثَّام بن علي، عن الأعمش، عن المِنْهَال بن عمرو، عن عباد بن عبد الله الأسدي، عن سلمان الفارسي: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ) قال سلمان: لم يجئ أهل هذه الآية بعد.

وقال ابن جرير: حدثني أحمد بن عثمان بن حَكيم، حدثنا عبد الرحمن بن شَريك، حدثني أبي، عن الأعمش، عن زيد بن وهب وغيره، عن سلمان، في هذه الآية، قال: ما جاء هؤلاء بَعْدُ .

قال ابن جرير: يحتمل أن سلمان أراد بهذا أن الذين يأتون بهذه الصفة أعظم فسادًا من الذين كانوا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، لا أنه عنى أنه لم يمض ممن تلك صفته أحد .

قال ابن جرير: فأهل النفاق مفسدون في الأرض بمعصيتهم فيها ربهم، وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبه، وتضييعهم فرائضه، وشكّهم في دينه الذي لا يُقْبَلُ من أحد عمل إلا بالتصديق به والإيقان بحقيقته، وكذبهم المؤمنين بدعواهم غير ما هم عليه مقيمون من الشك والريب، ومظاهرتهم أهل التكذيب بالله وكتبه ورسله على أولياء الله، إذا وجدوا إلى ذلك سبيلا. فذلك إفساد المنافقين في الأرض، وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها .

وهذا الذي قاله حسن، فإن من الفساد في الأرض اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال: 73] فقطع الله الموالاة بين المؤمنين والكافرين كما قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا [النساء: 144] ثم قال: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [النساء: 145] فالمنافق لما كان ظاهره الإيمان اشتبه أمره على المؤمنين، فكأن الفساد من جهة المنافق حاصل؛ لأنه هو الذي غَرّ المؤمنين بقوله الذي لا حقيقة له، ووالى الكافرين على المؤمنين، ولو أنه استمر على حالته الأولى لكان شرّه أخف، ولو أخلص العمل لله وتطابق قوله وعمله لأفلح وأنجح؛ ولهذا قال تعالى: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ) أي: نريد أن نداري الفريقين من المؤمنين والكافرين، ونصطلح مع هؤلاء وهؤلاء، كما قال محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ) أي: إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب.


يقول الله: ( أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ ) يقول: ألا إن هذا الذي يعتمدونه ويزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد، ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فسادًا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جـفـون الـقـمـر

جـفـون الـقـمـر


انثى عدد المساهمات : 160
نقاط : 4
تاريخ التسجيل : 19/05/2010

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح وتفسير القرآن الكريم   شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Icon_minitimeالأربعاء يونيو 02, 2010 10:29 am

الايه( 13)

من سورة البقرة


(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ ) 13)

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 1

يقول [الله] تعالى: وإذا قيل للمنافقين: ( آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ ) أي: كإيمان الناس بالله وملائكته < 1-182 > وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والجنَّة والنَّار وغير ذلك، مما أخبر المؤمنين به وعنه، وأطيعوا الله ورسوله في امتثال الأوامر وترك الزواجر ( قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ) يعنون -لعنهم الله-أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنهم، قاله أبو العالية والسدي في تفسيره، بسنده عن ابن عباس وابن مسعود وغير واحد من الصحابة، وبه يقول الربيع بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم، يقولون: أنصير نحن وهؤلاء بمنـزلة واحدة وعلى طريقة واحدة وهم سفهاء!!

والسفهاء: جمع سفيه، كما أن الحكماء جمع حكيم [والحلماء جمع حليم] والسفيه: هو الجاهل الضعيف الرّأي القليل المعرفة بمواضع المصالح والمضار؛ ولهذا سمى الله النساء والصبيان سفهاء، في قوله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء: 5] قال عامة علماء السلف: هم النساء والصبيان.

وقد تولى الله، سبحانه، جوابهم في هذه المواطن كلها، فقال ( أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ ) فأكد وحصر السفاهة فيهم.

( وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ ) يعني: ومن تمام جهلهم أنهم لا يعلمون بحالهم في الضلالة والجهل، وذلك أردى لهم وأبلغ في العمى، والبعد عن الهدى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جـفـون الـقـمـر

جـفـون الـقـمـر


انثى عدد المساهمات : 160
نقاط : 4
تاريخ التسجيل : 19/05/2010

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح وتفسير القرآن الكريم   شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Icon_minitimeالأربعاء يونيو 02, 2010 10:31 am

الآيه (14) و (15)

من سورة البقرة

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 1



(وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) (14)


يقول [الله] تعالى: وإذا لقي هؤلاء المنافقون المؤمنين قالوا: ( آمَنَّا ) أي: أظهروا لهم الإيمان والموالاة والمصافاة، غرورًا منهم للمؤمنين ونفاقا ومصانعة وتقية، ولِيَشركوهم فيما أصابوا من خير ومغنم، ( وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ ) يعني: وإذا انصرفوا وذهبوا وخلصوا إلى شياطينهم. فضمن ( خَلَوْا ) معنى انصرفوا؛ لتعديته بإلى، ليدل على الفعل المضمر والفعل الملفوظ به. ومنهم من قال: "إلى" هنا بمعنى "مع"، والأول أحسن، وعليه يدور كلام ابن جرير.

وقال السدي عن أبي مالك: ( خَلَوْا ) يعني: مضوا، و ( شَيَاطِينِهِمْ ) يعني: سادتهم وكبراءهم ورؤساءهم من أحبار اليهود ورؤوس المشركين والمنافقين.

قال السدي في تفسيره، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرّة عن ابن مسعود، عن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ( وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ ) يعني: هم رؤوسهم من الكفر.

وقال الضحاك عن ابن عباس: وإذا خلوا إلى أصحابهم، وهم شياطينهم.

وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عِكْرِمة أو سعيد بن جُبَيْر، عن ابن

< 1-183 > عباس: ( وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ ) من يهود الذين يأمرونهم بالتكذيب وخلاف ما جاء به الرسول.

وقال مجاهد: ( وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ ) إلى أصحابهم من المنافقين والمشركين.

وقال قتادة: ( وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ ) قال: إلى رؤوسهم، وقادتهم في الشرك، والشر.

وبنحو ذلك فسَّره أبو مالك، وأبو العالية والسدي، والرّبيع بن أنس.

قال ابن جرير: وشياطين كل شيء مَرَدَتُه، وتكون الشياطين من الإنس والجن، كما قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [الأنعام: 112] .

وفي المسند عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعوذ بالله من شياطين الإنس والجن". فقلت: يا رسول الله، وللإنس شياطين؟ قال: "نعم" .

وقوله تعالى: ( قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ ) قال محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أي إنا على مثل ما أنتم عليه ( إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ) أي: إنما نحن نستهزئ بالقوم ونلعب بهم.

وقال الضحاك، عن ابن عباس: قالوا إنما نحن مستهزئون ساخرون بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.


وكذلك قال الرّبيع بن أنس، وقتادة.



الآيه (15)

اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)


وقوله تعالى جوابًا لهم ومقابلة على صنيعهم: ( اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ )

وقال ابن جرير: أخبر الله تعالى أنه فاعل بهم ذلك يوم القيامة، في قوله: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ الآية [الحديد: 13]، وقوله تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [آل عمران: 178]. قال: فهذا وما أشبهه، من استهزاء الله، تعالى ذكره، وسخريته ومكره وخديعته للمنافقين، وأهل الشرك به عند قائل هذا القول، ومتأول هذا التأويل.

قال: وقال آخرون: بل استهزاؤه بهم توبيخه إياهم، ولومه لهم على ما ركبوا من معاصيه، والكفر به.

قال: وقال آخرون: هذا وأمثاله على سبيل الجواب، كقول الرّجل لمن يخدعه إذا ظفر به: أنا الذي خدعتك. ولم تكن منه خديعة، ولكن قال ذلك إذ صار الأمر إليه، قالوا: وكذلك قوله: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [آل عمران: 54] و ( اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) على الجواب، والله < 1-184 > لا يكون منه المكر ولا الهزء، والمعنى: أن المكر والهُزْء حَاق بهم.

وقال آخرون: قوله: ( إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) وقوله يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء: 142]، وقوله فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ [التوبة: 79] و نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة: 67] وما أشبه ذلك، إخبار من الله تعالى أنه يجازيهم جَزَاءَ الاستهزاء، ويعاقبهم عقوبة الخداع فأخرج خبره عن جزائه إياهم وعقابه لهم مُخرج خبره عن فعلهم الذي عليه استحقوا العقاب في اللفظ، وإن اختلف المعنيان كما قال تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى: 40] وقوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ [البقرة: 194]، فالأول ظلم، والثاني عدل، فهما وإن اتفق لفظاهما فقد اختلف معناهما.

قال: وإلى هذا المعنى وَجَّهوا كل ما في القرآن من نظائر ذلك.

قال: وقال آخرون: إن معنى ذلك: أنّ الله أخبر عن المنافقين أنهم إذا خَلَوا إلى مَرَدَتِهم قالوا: إنا معكم على دينكم، في تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به، وإنما نحن بما يظهر لهم -من قولنا لهم: صدقنا بمحمد، عليه السلام، وما جاء به مستهزئون؛ فأخبر الله تعالى أنه يستهزئ بهم، فيظهر لهم من أحكامه في الدنيا، يعني من عصمة دمائهم وأموالهم خلاف الذي لهم عنده في الآخرة، يعني من العذاب والنكال .

ثم شرع ابن جرير يوجه هذا القول وينصره؛ لأن المكر والخداع والسخرية على وجه اللعب والعبث منتف عن الله، عز وجل، بالإجماع، وأما على وجه الانتقام والمقابلة بالعدل والمجازاة فلا يمتنع ذلك.

قال: وبنحو ما قلنا فيه روي الخبر عن ابن عباس: حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا عثمان، حدثنا بشر، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، في قوله تعالى: ( اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) قال: يسخر بهم للنقمة منهم.

وقوله تعالى: ( وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) قال السدي: عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرّة، عن ابن مسعود، وعن أناس من الصحابة [قالوا] يَمدهم: يملي لهم.

وقال مجاهد: يزيدهم.

قال ابن جرير: والصواب يزيدهم على وجه الإملاء والترك لهم في عُتُوّهم وتَمَرّدهم، كما قال: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [الأنعام: 110] .

< 1-185 >

والطغيان: هو المجاوزة في الشيء. كما قال: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ [الحاقة: 11]، وقال الضحاك، عن ابن عباس: ( فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) في كفرهم يترددون.

وكذا فسره السدي بسنده عن الصحابة، وبه يقول أبو العالية، وقتادة، والرّبيع بن أنس، ومجاهد، وأبو مالك، وعبد الرحمن بن زيد: في كفرهم وضلالتهم.

قال ابن جرير: والعَمَه: الضلال، يقال: عمه فلان يَعْمَه عَمَهًا وعُمُوهًا: إذا ضل.

قال: وقوله: ( فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) في ضلالهم وكفرهم الذي غمرهم دَنَسُه، وعَلاهم رجْسه، يترددون [حيارى] ضُلالا لا يجدون إلى المخرج منه سبيلا؛ لأن الله تعالى قد طبع على قلوبهم وختم عليها، وأعمى أبصارهم عن الهدى وأغشاها، فلا يبصرون رُشْدًا، ولا يهتدون سبيلا.

[وقال بعضهم: العمى في العين، والعمه في القلب، وقد يستعمل العمى في القلب -أيضا-: قال الله تعالى: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46] ويقال: عمه الرجل يعمه عموها فهو عمه وعامه، وجمعه عمّه، وذهبت إبله العمهاء: إذا لم يدر أين ذهبت .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جـفـون الـقـمـر

جـفـون الـقـمـر


انثى عدد المساهمات : 160
نقاط : 4
تاريخ التسجيل : 19/05/2010

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح وتفسير القرآن الكريم   شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Icon_minitimeالأربعاء يونيو 02, 2010 10:32 am

الآية(16)

من سورة البقرة

(أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ )
(16)

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 1


قال السدي في تفسيره، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مُرّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة: ( أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى ) قال: أخذوا الضلالة وتركوا الهدى.

وقال [محمد] بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ( أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى ) أي: الكفر بالإيمان.

وقال مجاهد: آمنوا ثمّ كفروا.

وقال قتادة: استحبوا الضلالة على الهدى [أي: الكفر بالإيمان] . وهذا الذي قاله قتادة يشبهه في المعنى قوله تعالى في ثمود: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [فصلت: 17] .

وحاصل قول المفسرين فيما تقدم: أن المنافقين عَدَلوا عن الهدى إلى الضلال، واعتاضوا عن الهدى بالضلالة، وهو معنى قوله تعالى: ( أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى ) أي بذلوا الهدى ثمنا للضلالة، وسواء في ذلك من كان منهم قد حصل له الإيمان ثم رجع عنه إلى الكفر، كما قال < 1-186 > تعالى فيهم: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ [المنافقون: 3]، أو أنهم استحبوا الضلالة على الهدى، كما يكون حال فريق آخر منهم، فإنهم أنواع وأقسام؛ ولهذا قال تعالى: ( فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) أي: ما ربحت صفقتهم في هذه البيعة، ( وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) أي: راشدين في صنيعهم ذلك.

قال ابن جرير: حدثنا بشر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة ( فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) قد -والله-رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة، ومن الجماعة إلى الفرقة، ومن الأمن إلى الخوف، ومن السنة إلى البدعة. وهكذا رواه ابن أبي حاتم، من حديث يزيد بن زُرَيْع، عن سعيد، عن قتادة، بمثله سواء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جـفـون الـقـمـر

جـفـون الـقـمـر


انثى عدد المساهمات : 160
نقاط : 4
تاريخ التسجيل : 19/05/2010

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح وتفسير القرآن الكريم   شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Icon_minitimeالأربعاء يونيو 02, 2010 10:34 am

الايه (17)و(18)

من سورة البقرة

(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ )(18)


شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 1


يقال: مثل ومثل ومثيل -أيضا-والجمع أمثال، قال الله تعالى: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ [العنكبوت: 43] .

وتقرير هذا المثل: أن الله سبحانه، شبَّههم في اشترائهم الضلالة بالهدى، وصيرورتهم بعد التبصرة إلى العمى، بمن استوقد نارًا، فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها وأبصر بها ما عن يمينه وشماله، وتَأنَّس بها فبينا هو كذلك إذْ طفئت ناره، وصار في ظلام شديد، لا يبصر ولا يهتدي، وهو مع ذلك أصم لا يسمع، أبكم لا ينطق، أعمى لو كان ضياء لما أبصر؛ فلهذا لا يرجع إلى ما كان عليه قبل ذلك، فكذلك هؤلاء المنافقون في استبدالهم الضلالة عوضًا عن الهدى، واستحبابهم الغَيّ على الرّشَد. وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا، كما أخبر عنهم تعالى في غير هذا الموضع، والله أعلم.

وقد حكى هذا الذي قلناه فخر الدين الرازي في تفسيره عن السدي ثم قال: والتشبيه هاهنا في غاية الصحة؛ لأنهم بإيمانهم اكتسبوا أولا نورا ثم بنفاقهم ثانيًا أبطلوا ذلك النور فوقعوا في حيرة عظيمة فإنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين.

وزعم ابن جرير أن المضروب لهم المثل هاهنا لم يؤمنوا في وقت من الأوقات، واحتج بقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة: 8] .

والصواب: أن هذا إخبار عنهم في حال نفاقهم وكفرهم، وهذا لا ينفي أنه كان حصل لهم إيمان قبل ذلك، ثم سُلبوه وطبع على قلوبهم، ولم يستحضر ابن جرير، رحمه الله، هذه الآية هاهنا وهي < 1-187 > قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ [المنافقون: 3]؛ فلهذا وجه [ابن جرير] هذا المثل بأنهم استضاؤوا بما أظهروه من كلمة الإيمان، أي في الدنيا، ثم أعقبهم ظلمات يوم القيامة.

قال: وصح ضرب مثل الجماعة بالواحد، كما قال: رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ [الأحزاب: 19] أي: كدوران عيني الذي يغشى عليه من الموت، وقال تعالى: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [لقمان: 28] وقال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة: 5]، وقال بعضهم: تقدير الكلام: مثل قصتهم كقصة الذي استوقد نارا. وقال بعضهم: المستوقد واحد لجماعة معه. وقال آخرون: الذي هاهنا بمعنى الذين كما قال الشاعر:

وإن الــذي حـانت بفلـج دمـاؤهم

هـم القـوم كـل القـوم يـا أم خـالد


قلت: وقد التفت في أثناء المثل من الواحد إلى الجمع، في قوله تعالى: ( فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) وهذا أفصح في الكلام، وأبلغ في النظام، وقوله تعالى: ( ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ) أي: ذهب عنهم ما ينفعهم، وهو النور، وأبقى لهم ما يضرهم، وهو الإحراق والدخان ( وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ ) وهو ما هم فيه من الشك والكفر والنفاق، ( لا يُبْصِرُونَ ) لا يهتدون إلى سبل خير ولا يعرفونها، وهم مع ذلك ( صُمٌّ ) لا يسمعون خيرا ( بُكْمٌ ) لا يتكلمون بما ينفعهم ( عُمْيٌ ) في ضلالة وعماية البصيرة، كما قال تعالى: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46] فلهذا لا يرجعون إلى ما كانوا عليه من الهداية التي باعوها بالضلالة.

ذكر أقوال المفسرين من السلف بنحو ما ذكرناه:

قال السدي في تفسيره، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة، في قوله تعالى: ( فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ) زعم أن ناسًا دخلوا في الإسلام مَقْدَم نبيّ الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ثم إنهم نافقوا، فكان مثلهم كمثل رجُل كان في ظلمة، فأوقد نارًا، فأضاءت ما حوله من قذى، أو أذى، فأبصره حتى عرف ما يتقي منه فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره، فأقبل لا يدري ما يتقي من أذى، فكذلك المنافق: كان في ظلمة الشرك فأسلم، فعرف الحلال والحرام، و[عرف] الخير والشر، فبينا هو كذلك إذ كفر، فصار لا يعرف الحلال من < 1-188 > الحرام، ولا الخير من الشر.

وقال مجاهد: ( فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ) أما إضاءة النار فإقبالهم إلى المؤمنين، والهدى.

وقال عطاء الخرساني في قوله: ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ) قال: هذا مثل المنافق، يبصر أحيانًا ويعرف أحيانًا، ثم يدركه عمى القلب.

وقال ابن أبي حاتم: وروي عن عكرمة، والحسن والسدي، والرّبيع بن أنس نحو قول عطاء الخرساني.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، في قوله تعالى: ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ) إلى آخر الآية، قال: هذه صفة المنافقين. كانوا قد آمنوا حتى أضاء الإيمان في قلوبهم، كما أضاءت النار لهؤلاء الذين استوقدوا ثم كفروا فذهب الله بنورهم فانتزعه، كما ذهب بضوء هذه النار فتركهم في ظلمات لا يبصرون.

وقال العوفي، عن ابن عباس، في هذه الآية، قال: أما النور: فهو إيمانهم الذي كانوا يتكلمون به، وأمَّا الظلمة: فهي ضلالتهم وكفرهم الذي كانوا يتكلمون به، وهم قوم كانوا على هدى، ثمّ نـزع منهم، فعتوا بعد ذلك.

وأما قول ابن جرير فيشبه ما رواه علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله تعالى: ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ) قال: هذا مثل ضربه الله للمنافقين أنهم كانوا يعتزون بالإسلام، فيناكحهم المسلمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء، فلما ماتوا سلبهم الله ذلك العِزّ، كما سُلِب صاحب النار ضَوءه.

وقال أبو جعفر الرازي، عن الرّبيع بن أنس، عن أبي العالية: ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ) فإنما ضوء النار ما أوقدتها، فإذا خمدت ذهب نورها، وكذلك المنافق، كلما تكلم بكلمة الإخلاص، بلا إله إلا الله، أضاء له، فإذا شك وقع في الظلمة.

وقال الضحاك [في قوله] ( ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ) أما نورهم فهو إيمانهم الذي تكلموا به.

وقال عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن قتادة: ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ) فهي لا إله إلا الله؛ أضاءت لهم فأكلوا بها وشربوا وأمنوا في الدنيا، ونكحوا النساء، وحقنوا دماءهم، حتى إذا ماتوا ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون.

وقال سعيد، عن قتادة في هذه الآية: إن المعنى: أن المنافق تكلم بلا إله إلا الله فأضاءت له الدنيا، فناكح بها المسلمين، وغازاهم بها، ووارثهم بها، وحقن بها دمه وماله، فلما كان عند الموت، < 1-189 > سلبها المنافق؛ لأنه لم يكن لها أصل في قلبه، ولا حقيقة في عمله .

( وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ ) قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ( وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ ) يقول: في عذاب إذا ماتوا.

وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عِكْرِمة، أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ( وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ ) أي يبصرون الحق ويقولون به، حتى إذا خرجوا من ظلمة الكفر أطفؤوه بكفرهم ونفاقهم فيه، فتركهم الله في ظلمات الكفر، فهم لا يبصرون هدى، ولا يستقيمون على حق.

وقال السدي في تفسيره بسنده: ( وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ ) فكانت الظلمة نفاقهم.

وقال الحسن البصري: ( وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ ) فذلك حين يموت المنافق، فيظلم عليه عمله عمل السوء، فلا يجد له عملا من خير عمل به يصدق به قول: لا إله إلا الله .

( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ) قال السدي بسنده: ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ) فهم خرس عمي .

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ) يقول: لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه، وكذا قال أبو العالية، وقتادة بن دعامة.

( فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) قال ابن عباس: أي لا يرجعون إلى هدى، وكذلك قال الرّبيع بن أنس.

وقال السدي بسنده: ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) إلى الإسلام.

وقال قتادة: ( فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) أي لا يتوبون ولا هم يذكرون.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جـفـون الـقـمـر

جـفـون الـقـمـر


انثى عدد المساهمات : 160
نقاط : 4
تاريخ التسجيل : 19/05/2010

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح وتفسير القرآن الكريم   شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Icon_minitimeالأربعاء يونيو 02, 2010 10:36 am

الآيه(19) و(20)
من سورة البقرة

(أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ )(19)


وهذا مثل آخر ضربه الله تعالى لضرب آخر من المنافقين، وهم قوم يظهر لهم الحق تارة، ويشكّون تارة أخرى، فقلوبهم في حال شكهم وكفرهم وترددهم ( كَصَيِّبٍ ) والصيب: المطر، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وناس من الصحابة، وأبو العالية، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعطاء، < 1-190 > والحسن البصري، وقتادة، وعطية العَوْفِي، وعطاء الخراساني، والسُّدي، والرّبيع بن أنس.

وقال الضحاك: هو السحاب.

والأشهر هو المطر نـزل من السماء في حال ظلمات، وهي الشكوك والكفر والنفاق. ( وَرَعْدٌ ) وهو ما يزعج القلوب من الخوف، فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع، كما قال تعالى: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ [هُمُ الْعَدُوُّ] [المنافقون: 4] وقال: وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ * لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ [التوبة: 56، 57].

والبرق: هو ما يلمع في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين في بعض الأحيان، من نور الإيمان؛ ولهذا قال: ( يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ) أي: ولا يُجْدي عنهم حذرهم شيئًا؛ لأن الله محيط [بهم] بقدرته، وهم تحت مشيئته وإرادته، كما قال: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ [البروج: 17-20] .
[والصواعق: جمع صاعقة، وهي نار تنـزل من السماء وقت الرعد الشديد، وحكى الخليل بن أحمد عن بعضهم صاعقة، وحكى بعضهم صاعقة وصعقة وصاقعة، ونقل عن الحسن البصري أنه: قرأ "من الصواقع حذر الموت" بتقديم القاف وأنشدوا لأبي النجم:

يحـــكوك بالمثقولــة القــواطع

شــفـق البرق عــن الصـواقـع



يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)

ثم قال: ( يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ) أي: لشدته وقوته في نفسه، وضعف بصائرهم، وعدم ثباتها للإيمان.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ( يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ) يقول: يكاد مُحْكَمُ القرآن يدل على عورات المنافقين.

وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ( يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ) أي لشدة ضوء الحق، ( كلما أضاء لهم مشوا فيه وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ) أي كلما ظهر لهم من الإيمان شيء استأنسوا به واتبعوه، وتارة تعْرِض لهم الشكوك أظلمت قلوبَهم فوقفوا حائرين.

< 1-191 >

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ( كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ ) يقول: كلما أصاب المنافقين من عز الإسلام اطمأنوا إليه، وإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر، كقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ [وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ] الآية [الحج: 11].

وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ( كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ) أي: يعرفون الحق ويتكلمون به، فهم من قولهم به على استقامة فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر ( قَامُوا ) أي: متحيرين.

وهكذا قال أبو العالية، والحسن البصري، وقتادة، والربيع بن أنس، والسدي بسنده، عن الصحابة وهو أصح وأظهر. والله أعلم.

وهكذا يكونون يوم القيامة عندما يعطى الناس النور بحسب إيمانهم، فمنهم من يعطى من النور ما يضيء له مسيرة فراسخ، وأكثر من ذلك وأقل من ذلك، ومنهم من يطْفَأ نوره تارة ويضيء له أخرى، فيمشي على الصراط تارة ويقف أخرى. ومنهم من يطفأ نوره بالكلية وهم الخُلَّص من المنافقين، الذين قال تعالى فيهم: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا [الحديد: 13] وقال في حق المؤمنين: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ الآية [الحديد: 12]، وقال تعالى: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم: 8] .

ذكر الحديث الوارد في ذلك:

قال سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة في قوله تعالى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الآية [الحديد: 12]، ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن، أو بين صنعاء ودون ذلك، حتى إن من المؤمنين من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه". رواه ابن جرير.

ورواه ابن أبي حاتم من حديث عمران بن دَاوَر القطان، عن قتادة، بنحوه.

وهذا كما قال المِنْهَال بن عمرو، عن قيس بن السكن، عن عبد الله بن مسعود، قال: يؤتون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يرى نوره كالنخلة، ومنهم من يرى نوره كالرجل القائم، وأدناهم نورًا على إبهامه يطفأ مرة ويَقِد مرة.

< 1-192 >

وهكذا رواه ابن جرير، عن ابن مُثَنَّى، عن ابن إدريس، عن أبيه، عن المنهال.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن محمد الطَّنَافسي حدثنا ابن إدريس، سمعت أبي يذكر عن المنهال بن عمرو، عن قيس بن السكن، عن عبد الله بن مسعود: نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ [التحريم: 8] قال: على قدر أعمالهم يمرون على الصراط، منهم من نوره مثل الجبل، ومنهم من نوره مثل النخلة، وأدناهم نورًا من نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفأ أخرى.

وقال ابن أبي حاتم أيضًا: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، حدثنا أبو يحيى الحِمَّاني، حدثنا عُتْبَةُ بن اليقظان، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ليس أحد من أهل التوحيد إلا يعطى نورًا يوم القيامة، فأما المنافق فيطفأ نوره، فالمؤمن مشفق مما يرى من إطفاء نور المنافقين، فهم يقولون: ربنا أتمم لنا نورنا.

وقال الضحاك بن مزاحم: يعطى كل من كان يظهر الإيمان في الدنيا يوم القيامة نورًا؛ فإذا انتهى إلى الصراط طفئ نور المنافقين، فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا، فقالوا: رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا .

فإذا تقرر هذا صار الناس أقسامًا: مؤمنون خُلّص، وهم الموصوفون بالآيات الأربع في أول البقرة، وكفار خلص، وهم الموصوفون بالآيتين بعدها، ومنافقون، وهم قسمان: خلص، وهم المضروب لهم المثل الناري، ومنافقون يترددون، تارة يظهر لهم لُمَعٌ من الإيمان وتارة يخبو وهم أصحاب المثل المائي، وهم أخف حالا من الذين قبلهم.

وهذا المقام يشبه من بعض الوجوه ما ذكر في سورة النور، من ضرب مثل المؤمن وما جعل الله في قلبه من الهدى والنور، بالمصباح في الزجاجة التي كأنها كوكب دُرّي، وهي قلب المؤمن المفطور على الإيمان واستمداده من الشريعة الخالصة الصافية الواصلة إليه من غير كدر ولا تخليط، كما سيأتي تقريره في موضعه إن شاء الله.

ثم ضرب مثل العُبّاد من الكفار، الذين يعتقدون أنهم على شيء، وليسوا على شيء، وهم أصحاب الجهل المركب، في قوله: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا الآية [النور: 39].

ثم ضرب مثل الكفار الجُهَّال الجَهْلَ البسيط، وهم الذين قال [الله] فيهم: أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور: 40] فقسم الكفار هاهنا إلى قسمين: داعية ومقلد، كما ذكرهما في أول سورة الحج: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ [الحج: 3] < 1-193 > وقال بعده: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ [الحج: 8] وقد قسم الله المؤمنين في أول الواقعة وآخرها وفي سورة الإنسان، إلى قسمين: سابقون وهم المقربون، وأصحاب يمين وهم الأبرار.

فتلخص من مجموع هذه الآيات الكريمات: أن المؤمنين صنفان: مقربون وأبرار، وأن الكافرين صنفان: دعاة ومقلدون، وأن المنافقين -أيضًا-صنفان: منافق خالص، ومنافق فيه شعبة من نفاق، كما جاء في الصحيحين، عن عبد الله بن عَمْرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يَدَعها: من إذا حَدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" .

استدلوا به على أن الإنسان قد تكون فيه شعبة من إيمان، وشعبة من نفاق. إما عَمَلي لهذا الحديث، أو اعتقادي، كما دلت عليه الآية، كما ذهب إليه طائفة من السلف وبعض العلماء، كما تقدم، وكما سيأتي، إن شاء الله. قال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا أبو معاوية يعني شيبان، عن ليث، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القلوب أربعة: قلب أجرد، فيه مثل السراج يُزْهر، وقلب أغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مُصَفَّح، فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن، سراجه فيه نوره، وأما القلب الأغلف فقلب الكافر، وأما القلب المنكوس فقلب المنافق الخالص، عرف ثم أنكر، وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق، ومَثَل الإيمان فيه كمثل البقلة، يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يَمُدّها القيح والدم، فأي المدّتين غلبت على الأخرى غلبت عليه" . وهذا إسناد جيد حسن.

وقوله: ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عِكْرِمة، أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله تعالى: ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ) قال: لِمَا تركوا من الحق بعد معرفته.

( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) قال ابن عباس أي إنّ الله على كل ما أراد بعباده من نقمة، أو عفو، قدير.

وقال ابن جرير: إنما وصف الله تعالى نفسه بالقدرة على كل شيء في هذا الموضع ؛ لأنه حذر المنافقين بأسه وسطوته وأخبرهم أنه بهم محيط، و [أنه] على إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير، ومعنى ( قَدِيرٌ ) قادر، كما أن معنى ( عَلِيمٌ ) عالم.

< 1-194 >

[وذهب ابن جرير الطبري ومن تبعه من كثير من المفسرين أن هذين المثلين مضروبان لصنف واحد من المنافقين وتكون "أو" في قوله تعالى: ( أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ ) بمعنى الواو، كقوله تعالى: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا [الإنسان: 24]، أو تكون للتخبير، أي: اضرب لهم مثلا بهذا وإن شئت بهذا، قاله القرطبي. أو للتساوي مثل جالس الحسن أو ابن سيرين، على ما وجهه الزمخشري: أن كلا منهما مساو للآخر في إباحة الجلوس إليه، ويكون معناه على قوله: سواء ضربت لهم مثلا بهذا أو بهذا فهو مطابق لحالهم.

قلت: وهذا يكون باعتبار جنس المنافقين، فإنهم أصناف ولهم أحوال وصفات كما ذكرها الله تعالى في سورة براءة -ومنهم -ومنهم -ومنهم -يذكر أحوالهم وصفاتهم وما يعتمدونه من الأفعال والأقوال، فجعل هذين المثلين لصنفين منهم أشد مطابقة لأحوالهم وصفاتهم، والله أعلم، كما ضرب المثلين في سورة النور لصنفي الكفار الدعاة والمقلدين في قوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ إلى أن قال: أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ الآية [النور: 39، 40]، فالأول للدعاة الذين هم في جهل مركب، والثاني لذوي الجهل البسيط من الأتباع المقلدين، والله أعلم بالصواب] .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جـفـون الـقـمـر

جـفـون الـقـمـر


انثى عدد المساهمات : 160
نقاط : 4
تاريخ التسجيل : 19/05/2010

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح وتفسير القرآن الكريم   شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Icon_minitimeالأربعاء يونيو 02, 2010 10:38 am

الايه (21)و(22)
من سورة البقرة

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 1


(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (21)

شرع تبارك وتعالى في بيان وحدانية ألوهيته، بأنه تعالى هو المنعم على عَبيده، بإخراجهم من العدم إلى الوجود وإسباغه عليهم النعمَ الظاهرة والباطنة،


(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ )(22)

شرع تبارك وتعالى في بيان وحدانية ألوهيته، بأنه تعالى هو المنعم على عَبيده، بإخراجهم من العدم إلى الوجود وإسباغه عليهم النعمَ الظاهرة والباطنة، بأن جعل لهم الأرض فراشا، أي: مهدا كالفراش مُقَرّرَة موطأة مثبتة بالرواسي الشامخات، ( وَالسَّمَاءَ بِنَاءً ) وهو السقف، كما قال في الآية الأخرى: وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ [الأنبياء: 32] وأنـزل لهم من السماء ماء -والمراد به السحاب هاهنا-في وقته عند احتياجهم إليه، فأخرج لهم به من أنواع الزروع والثمار ما هو مشاهد؛ رزقًا لهم ولأنعامهم، كما قرر هذا في غير موضع من القرآن. ومنْ أشبه آية بهذه الآية قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [غافر: 64] ومضمونه: أنه الخالق الرازق مالك الدار، وساكنيها، ورازقهم، فبهذا يستحق أن يعبد وحده ولا يُشْرَك به غَيره؛ ولهذا قال: ( فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) وفي الصحيحين عن ابن مسعود، قال: قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندا، وهو خلقك" الحديث . وكذا حديث معاذ: < 1-195 > "أتدري ما حق الله على عباده؟ أن يعبدوه لا يشركوا به شيئًا" الحديث وفي الحديث الآخر: "لا يقولن أحدكم: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن ليقل ما شاء الله، ثم شاء فلان" .

وقال حماد بن سلمة: حدثنا عبد الملك بن عمير، عن رِبْعيِّ بن حِرَاش، عن الطفيل بن سَخْبَرَة، أخي عائشة أم المؤمنين لأمها، قال: رأيت فيما يرى النائم، كأني أتيت على نفر من اليهود، فقلت: من أنتم؟ فقالوا: نحن اليهود، قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: عُزَير ابن الله. قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد. قال: ثم مررت بنفر من النصارى، فقلت: من أنتم؟ قالوا: نحن النصارى. قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله. قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد. فلما أصبحت أخبرت بها مَنْ أخبرت، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: "هل أخبرت بها أحدًا؟" فقلت: نعم. فقام، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد، فإن طُفيلا رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم، وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها، فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده". هكذا رواه ابن مردويه في تفسير هذه الآية من حديث حماد بن سلمة، به . وأخرجه ابن ماجه من وجه آخر، عن عبد الملك بن عمير به، بنحوه .

وقال سفيان بن سعيد الثوري، عن الأجلح بن عبد الله الكندي، عن يزيد بن الأصم، عن ابن عباس، قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت. فقال: "أجعلتني لله ندا ؟ قل: ما شاء الله وحده". رواه ابن مردويه، وأخرجه النسائي، وابن ماجه من حديث عيسى بن يونس، عن الأجلح، به .

وهذا كله صيانة، وحماية لجناب التوحيد، والله أعلم.

وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ) للفريقين جميعًا من الكفار والمنافقين، أي: وحدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم.

وبه عن ابن عباس: ( فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) أي: لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر، وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه < 1-196 > الرسول صلى الله عليه وسلم من توحيده هو الحق الذي لا شك فيه. وهكذا قال قتادة.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم، حدثنا أبي عمرو، حدثنا أبي الضحاك بن مخلد أبو عاصم، حدثنا شبيب بن بشر، حدثنا عكرمة، عن ابن عباس، في قول الله، عز وجل ( فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا [وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ] ) قال: الأنداد هو الشرك، أخفى من دبيب النمل على صَفَاة سوداء في ظلمة الليل، وهو أن يقول: والله وحياتك يا فلان، وحياتي، ويقول: لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص، ولولا البطّ في الدار لأتى اللصوص، وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئتَ، وقول الرجل: لولا الله وفلان. لا تجعل فيها "فلان". هذا كله به شرك.

وفي الحديث: أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وشئت، فقال: "أجعلتني لله ندا". وفي الحديث الآخر: "نعم القوم أنتم، لولا أنكم تنددون، تقولون: ما شاء الله، وشاء فلان".

قال أبو العالية: ( فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا ) أي عدلاء شركاء. وهكذا قال الربيع بن أنس، وقتادة، والسُّدي، وأبو مالك: وإسماعيل بن أبي خالد.

وقال مجاهد: ( فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) قال: تعلمون أنه إله واحد في التوراة والإنجيل.

ذكر حديث في معنى هذه الآية الكريمة:

قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا أبو خلف موسى بن خلف، وكان يُعَد من البُدَلاء، حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن جده ممطور، عن الحارث الأشعري، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل، أمر يحيى بن زكريا، عليه السلام، بخمس كلمات أن يعمل بهن، وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، وكان يبطئ بها، فقال له عيسى، عليه السلام: إنك قد أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، فإما أن تبلغهن، وإما أن أبلغهن. فقال: يا أخي، إني أخشى إن سبقتني أن أعذب أو يخسف بي" . قال: "فجمع يحيى بن زكريا بني إسرائيل في بيت المقدس، حتى امتلأ المسجد، فقعد على الشرف، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن، وآمركم أن تعملوا بهن، وأولهن: أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئًا، فإن مثل ذلك مَثَل رجل اشترى عبدًا من خالص ماله بوَرِق أو ذهب، فجعل يعمل ويؤدي غلته إلى غير سيده فأيكم يسره أن يكون عبده كذلك؟ وأن الله خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئًا وأمركم بالصلاة؛ فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده ما لم يلتفت، فإذا صليتم فلا تلتفتوا. وأمركم بالصيام، فإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك في عصابة، كلهم يجد ريح المسك. وإن خلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك. وأمركم بالصدقة؛ فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو، فشدوا يديه إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه، فقال لهم: هل لكم أن أفتدي < 1-197 > نفسي ؟ فجعل يفتدي نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه. وأمركم بذكر الله كثيرًا؛ وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سِراعا في أثره، فأتى حصنا حصينًا فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله".

قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن: الجماعة، والسمع، والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله؛ فإنه من خرج من الجماعة قيدَ شِبْر فقد خلع رِبْقة الإسلام من عنقه، إلا أن يراجع ومن دعا بدعوى جاهلية فهو من جِثِيِّ جهنم". قالوا: يا رسول الله، وإن صام وصلى ؟ فقال: "وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم؛ فادعوا المسلمين بأسمائهم على ما سماهم الله عز وجل: المسلمين المؤمنين عباد الله" .

هذا حديث حسن، والشاهد منه في هذه الآية قوله: "وإن الله خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئًا".

وهذه الآية دالة على توحيده تعالى بالعبادة وحده لا شريك له، وقد استدل به كثير من المفسرين كالرازي وغيره على وجود الصانع فقال: وهي دالة على ذلك بطريق الأولى، فإن من تأمل هذه الموجودات السفلية والعلوية واختلاف أشكالها وألوانها وطباعها ومنافعها ووضعها في مواضع النفع بها محكمة، علم قدرة خالقها وحكمته وعلمه وإتقانه وعظيم سلطانه، كما قال بعض الأعراب، وقد سئل: ما الدليل على وجود الرب تعالى؟ فقال: يا سبحان الله، إن البعرة لتدل على البعير، وإن أثر الأقدام لتدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج؟ ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟

وحكى فخر الدين عن الإمام مالك أن الرشيد سأله عن ذلك فاستدل باختلاف اللغات والأصوات والنغمات، وعن أبي حنيفة أن بعض الزنادقة سألوه عن وجود الباري تعالى، فقال لهم: دعوني فإني مفكر في أمر قد أخبرت عنه ذكروا لي أن سفينة في البحر موقرة فيها أنواع من المتاجر وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها، وهي مع ذلك تذهب وتجيء وتسير بنفسها وتخترق الأمواج العظام حتى تتخلص منها، وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد. فقالوا: هذا شيء لا يقوله عاقل، فقال: ويحكم هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة ليس لها صانع!! فبهت القوم ورجعوا إلى الحق وأسلموا على يديه.

وعن الشافعي: أنه سئل عن وجود الصانع، فقال: هذا ورق التوت طعمه واحد تأكله الدود فيخرج منه الإبريسم، وتأكله النحل فيخرج منه العسل، وتأكله الشاة والبعير والأنعام فتلقيه بعرًا وروثا، وتأكله الظباء فيخرج منها المسك وهو شيء واحد.

وعن الإمام أحمد بن حنبل أنه سئل عن ذلك فقال: هاهنا حصن حصين أملس، ليس له باب < 1-198 > ولا منفذ، ظاهره كالفضة البيضاء، وباطنه كالذهب الإبريز، فبينا هو كذلك إذ انصدع جداره فخرج منه حيوان سميع بصير ذو شكل حسن وصوت مليح، يعني بذلك البيضة إذا خرج منها الدجاجة.

وسئل أبو نواس عن ذلك فأنشد:

تــأمل فـي نبــات الأرض وانظـر

إلــى آثـار مـا صنـع المليـــك

عيــــون مـن لجـين شـاخصات

بــأحداق هــي الــذهب السـبيـك

عـلى قضـب الزبرجـد شـاهــدات

بــأن اللــه ليس لــه شـريــك

وقال ابن المعتز:

فيــا عجبًـا كـيف يعصـى الإلـه

أم كـــيف يجحـــده الجـــاحد

وفــي كــل شـيء لــه آيــة

تـــدل عــلى أنـــه واحـــد



وقال آخرون: من تأمل هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها وما فيها من الكواكب الكبار والصغار المنيرة من السيارة ومن الثوابت، وشاهدها كيف تدور مع الفلك العظيم في كل يوم وليلة دويرة ولها في أنفسها سير يخصها، ونظر إلى البحار الملتفة للأرض من كل جانب، والجبال الموضوعة في الأرض لتقر ويسكن ساكنوها مع اختلاف أشكالها وألوانها كما قال: وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر: 27، 28] وكذلك هذه الأنهار السارحة من قطر إلى قطر لمنافع العباد وما زرأ في الأرض من الحيوانات المتنوعة والنبات المختلف الطعوم والأراييح والأشكال والألوان مع اتحاد طبيعة التربة والماء، علم وجود الصانع وقدرته العظيمة وحكمته ورحمته بخلقه ولطفه بهم وإحسانه إليهم وبره بهم لا إله غيره ولا رب سواه، عليه توكلت وإليه أنيب، والآيات في القرآن الدالة على هذا المقام كثيرة جدًا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جـفـون الـقـمـر

جـفـون الـقـمـر


انثى عدد المساهمات : 160
نقاط : 4
تاريخ التسجيل : 19/05/2010

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح وتفسير القرآن الكريم   شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Icon_minitimeالأربعاء يونيو 02, 2010 10:41 am

الآية (23)و(24)

من سورة البقرة

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 1

الآية(23)


ثم شرع تعالى في تقرير النبوة بعد أن قرر أنه لا إله إلا هو، فقال مخاطبًا للكافرين: ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نـزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ) يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم ( فَأْتُوا بِسُورَةٍ ) من مثل ما جاء به إن زعمتم أنه من عند غير الله، فعارضوه بمثل ما جاء به، واستعينوا على ذلك بمن شئتم من دون الله، فإنكم لا تستطيعون ذلك.

< 1-199 >

قال ابن عباس: ( شُهَدَاءَكُمْ ) أعوانكم [أي: قومًا آخرين يساعدونكم على ذلك] .

وقال السدي، عن أبي مالك: شركاءكم [أي استعينوا بآلهتكم في ذلك يمدونكم وينصرونكم] .

وقال مجاهد: ( وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ ) قال: ناس يشهدون به [يعني: حكام الفصحاء] .

وقد تحداهم الله تعالى بهذا في غير موضع من القرآن، فقال في سورة القصص: قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [القصص: 49] وقال في سورة سبحان: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء: 88] وقال في سورة هود: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [هود: 13]، وقال في سورة يونس: وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [يونس: 37، 38] وكل هذه الآيات مكية.

ثم تحداهم [الله تعالى] بذلك -أيضًا-في المدينة، فقال في هذه الآية: ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ ) أي: [في] شك ( مِمَّا نـزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ) يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم. ( فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) يعني: من مثل [هذا] القرآن؛ قاله مجاهد وقتادة، واختاره ابن جرير. بدليل قوله: فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ [هود: 13] وقوله: لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ [الإسراء: 88] وقال بعضهم: من مثل محمد صلى الله عليه وسلم، يعني: من رجل أمي مثله. والصحيح الأول؛ لأن التحدي عام لهم كلهم، مع أنهم أفصح الأمم، وقد تحداهم بهذا في مكة والمدينة مرات عديدة، مع شدة عداوتهم له وبغضهم لدينه، ومع هذا عجزوا عن ذلك؛


الآيه(24)

ولهذا قال تعالى: ( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا ) "ولن": لنفي التأبيد أي: ولن تفعلوا ذلك أبدًا. وهذه -أيضًا-معجزة أخرى، وهو أنه أخبر أن هذا القرآن لا يعارض بمثله أبدا وكذلك وقع الأمر، لم يعارض من لدنه إلى زماننا هذا ولا يمكن، وَأنَّى يَتَأتَّى ذلك لأحد، والقرآن كلام الله خالق كل شيء؟ وكيف يشبه كلام الخالق كلام المخلوقين؟!

ومن تدبر القرآن وجد فيه من وجوه الإعجاز فنونًا ظاهرة وخفية من حيث اللفظ ومن جهة المعنى، قال الله تعالى: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود: 1]، فأحكمت ألفاظه وفصلت معانيه أو بالعكس على الخلاف، فكل من لفظه ومعناه فصيح لا يجارى ولا يدانى، فقد أخبر عن مغيبات ماضية وآتية كانت ووقعت طبق ما أخبر سواء بسواء، وأمر بكل خير، ونهى عن كل شر كما قال: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا [الأنعام: 115] أي: صدقًا في الأخبار وعدلا في الأحكام، فكله حق وصدق وعدل وهدى ليس فيه مجازفة ولا كذب ولا افتراء، < 1-200 > كما يوجد في أشعار العرب وغيرهم من الأكاذيب والمجازفات التي لا يحسن شعرهم إلا بها، كما قيل في الشعر: إن أعذبه أكذبه، وتجد القصيدة الطويلة المديدة قد استعمل غالبها في وصف النساء أو الخيل أو الخمر، أو في مدح شخص معين أو فرس أو ناقة أو حرب أو كائنة أو مخافة أو سبع، أو شيء من المشاهدات المتعينة التي لا تفيد شيئًا إلا قدرة المتكلم المعبر على التعبير على الشيء الخفي أو الدقيق أو إبرازه إلى الشيء الواضح، ثم تجد له فيها بيتًا أو بيتين أو أكثر هي بيوت القصيد وسائرها هذر لا طائل تحته.

وأما القرآن فجميعه فصيح في غاية نهايات البلاغة عند من يعرف ذلك تفصيلا وإجمالا ممن فهم كلام العرب وتصاريف التعبير، فإنه إن تأملت أخباره وجدتها في غاية الحلاوة، سواء كانت مبسوطة أو وجيزة، وسواء تكررت أم لا وكلما تكرر حلا وعلا لا يَخلق عن كثرة الرد، ولا يمل منه العلماء، وإن أخذ في الوعيد والتهديد جاء منه ما تقشعر منه الجبال الصم الراسيات، فما ظنك بالقلوب الفاهمات، وإن وعد أتى بما يفتح القلوب والآذان، ويشوق إلى دار السلام ومجاورة عرش الرحمن، كما قال في الترغيب: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة: 17] وقال: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الزخرف: 71]، وقال في الترهيب: أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ا, لْبَرِّ [الإسراء: 68]، أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ [الملك: 16، 17] وقال في الزجر: فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ [العنكبوت: 40]، وقال في الوعظ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [الشعراء: 205 -207] إلى غير ذلك من أنواع الفصاحة والبلاغة والحلاوة، وإن جاءت الآيات في الأحكام والأوامر والنواهي، اشتملت على الأمر بكل معروف حسن نافع طيب محبوب، والنهي عن كل قبيح رذيل دنيء؛ كما قال ابن مسعود وغيره من السلف: إذا سمعت الله تعالى يقول في القرآن يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فأوعها سمعك فإنه خير ما يأمر به أو شر ينهى عنه. ولهذا قال تعالى: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ الآية [الأعراف: 157]، وإن جاءت الآيات في وصف المعاد وما فيه من الأهوال وفي وصف الجنة والنار وما أعد الله فيهما لأوليائه وأعدائه من النعيم والجحيم والملاذ والعذاب الأليم، بشرت به وحذرت وأنذرت؛ ودعت إلى فعل الخيرات واجتناب المنكرات، وزهدت في الدنيا ورغبت في الأخرى، وثبتت على الطريقة المثلى، وهدت إلى صراط الله المستقيم وشرعه القويم، ونفت عن القلوب رجس الشيطان الرجيم.

ولهذا ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعْطِيَ من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله < 1-201 > إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة" لفظ مسلم. وقوله: "وإنما كان الذي أوتيته وحيًا" أي: الذي اختصصت به من بينهم هذا القرآن المعجز للبشر أن يعارضوه، بخلاف غيره من الكتب الإلهية، فإنها ليست معجزة [عند كثير من العلماء] والله أعلم. وله عليه الصلاة والسلام من الآيات الدالة على نبوته، وصدقه فيما جاء به ما لا يدخل تحت حصر، ولله الحمد والمنة.

[وقد قرر بعض المتكلمين الإعجاز بطريق يشمل قول أهل السنة وقول المعتزلة في الصوفية، فقال: إن كان هذا القرآن معجزًا في نفسه لا يستطيع البشر الإتيان بمثله ولا في قواهم معارضته، فقد حصل المدعى وهو المطلوب، وإن كان في إمكانهم معارضته بمثله ولم يفعلوا ذلك مع شدة عداوتهم له، كان ذلك دليلا على أنه من عند الله؛ لصرفه إياهم عن معارضته مع قدرتهم على ذلك، وهذه الطريقة وإن لم تكن مرضية لأن القرآن في نفسه معجز لا يستطيع البشر معارضته، كما قررنا، إلا أنها تصلح على سبيل التنـزل والمجادلة والمنافحة عن الحق وبهذه الطريقة أجاب فخر الدين في تفسيره عن سؤاله في السور القصار كالعصر و إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ] .

وقوله تعالى: ( فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) أما الوَقُود، بفتح الواو، فهو ما يلقى في النار لإضرامها كالحطب ونحوه، كما قال: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجن: 15] وقال تعالى: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء: 98] .

والمراد بالحجارة هاهنا: هي حجارة الكبريت العظيمة السوداء الصلبة المنتنة، وهي أشد الأحجار حرا إذا حميت، أجارنا الله منها.

قال عبد الملك بن ميسرة الزرّاد عن عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن مسعود، في قوله تعالى: ( وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) قال: هي حجارة من كبريت، خلقها الله يوم خلق السماوات والأرض في السماء الدنيا، يعدها للكافرين. رواه ابن جرير، وهذا لفظه. وابن أبي حاتم، والحاكم في مستدركه وقال: على شرط الشيخين .

وقال السدي في تفسيره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة: ( فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) أما الحجارة فهي حجارة في النار من كبريت أسود، يعذبون به مع النار.

وقال مجاهد: حجارة من كبريت أنتن من الجيفة. وقال أبو جعفر محمد بن علي: [هي] حجارة من كبريت. وقال ابن جريج: حجارة من كبريت أسود في النار، وقال لي عمرو بن دينار: < 1-202 > أصلب من هذه الحجارة وأعظم.

[وقيل: المراد بها: حجارة الأصنام والأنداد التي كانت تعبد من دون الله كما قال: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الآية [الأنبياء: 98]، حكاه القرطبي وفخر الدين ورجحه على الأول؛ قال: لأن أخذ النار في حجارة الكبريت ليس بمنكر فجعلها هذه الحجارة أولى، وهذا الذي قاله ليس بقوي،؛ وذلك أن النار إذا أضرمت بحجارة الكبريت كان ذلك أشد لحرها وأقوى لسعيرها، ولا سيما على ما ذكره السلف من أنها حجارة من كبريت معدة لذلك، ثم إن أخذ النار في هذه الحجارة -أيضا-مشاهد، وهذا الجص يكون أحجارًا فتعمل فيه بالنار حتى يصير كذلك. وكذلك سائر الأحجار تفخرها النار وتحرقها. وإنما سيق هذا في حر هذه النار التي وعدوا بها، وشدة ضرامها وقوة لهبها كما قال: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء: 97]. وهكذا رجح القرطبي أن المراد بها الحجارة التي تسعر بها النار لتحمى ويشتد لهبها قال: ليكون ذلك أشد عذابًا لأهلها، قال: وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل مؤذ في النار" وهذا الحديث ليس بمحفوظ ولا معروف ثم قال القرطبي: وقد فسر بمعنيين، أحدهما: أن كل من آذى الناس دخل النار ، والآخر: كل ما يؤذي فهو في النار يتأذى به أهلها من السباع والهوام وغير ذلك] .

وقوله تعالى: ( أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) الأظهر أنّ الضمير في ( أُعِدَّتْ ) عائد إلى النار التي وقودها الناس والحجارة، ويحتمل عوده على الحجارة، كما قال ابن مسعود، ولا منافاة بين القولين في المعنى؛ لأنهما متلازمان.

و ( أُعِدَّتْ ) أي: أرصدت وحصلت للكافرين بالله ورسوله، كما قال [محمد] بن إسحاق، عن محمد، عن عكرمة، أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ( أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) أي: لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر.

وقد استدل كثير من أئمة السنة بهذه الآية على أن النار موجودة الآن لقوله: ( أُعِدَّتْ ) أي: أرصدت وهيئت وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك منها: "تحاجت الجنة والنار" ومنها: "استأذنت النار ربها فقالت: رب أكل بعضي بعضًا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف"، وحديث ابن مسعود سمعنا وجبة فقلنا ما هذه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا حجر ألقي به من شفير جهنم منذ سبعين سنة الآن وصل إلى قعرها" وهو عند مسلم وحديث صلاة الكسوف وليلة الإسراء وغير ذلك من الأحاديث المتواترة في هذا المعنى وقد خالفت المعتزلة بجهلهم في هذا ووافقهم القاضي منذر بن سعيد البلوطي قاضي الأندلس.

< 1-203 >

تنبيه ينبغي الوقوف عليه:

قوله: ( فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) وقوله في سورة يونس: بِسُورَةٍ مِثْلِهِ [يونس: 38] يعم كل سورة في القرآن طويلة كانت أو قصيرة؛ لأنها نكرة في سياق الشرط فتعم كما هي في سياق النفي عند المحققين من الأصوليين كما هو مقرر في موضعه، فالإعجاز حاصل في طوال السور وقصارها، وهذا ما أعلم فيه نـزاعًا بين الناس سلفًا وخلفًا، وقد قال الإمام العلامة فخر الدين الرازي في تفسيره: فإن قيل: قوله: ( فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) يتناول سورة الكوثر وسورة العصر، و قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، ونحن نعلم بالضرورة أن الإتيان بمثله أو بما يقرب منه ممكن. فإن قلتم: إن الإتيان بمثل هذه السور خارج عن مقدور البشر كان مكابرة، والإقدام على هذه المكابرات مما يطرق بالتهمة إلى الدين: قلنا: فلهذا السبب اخترنا الطريق الثاني، وقلنا: إن بلغت هذه السورة في الفصاحة حد الإعجاز فقد حصل المقصود، وإن لم يكن كذلك، كان امتناعهم من المعارضة مع شدة دواعيهم إلى تهوين أمره معجزًا ، فعلى التقديرين يحصل المعجز ، هذا لفظه بحروفه. والصواب: أن كل سورة من القرآن معجزة لا يستطيع البشر معارضتها طويلة كانت أو قصيرة.

قال الشافعي، رحمه الله: لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [سورة العصر]. وقد روينا عن عمرو بن العاص أنه وفد على مسيلمة الكذاب قبل أن يسلم، فقال له مسيلمة: ماذا أنـزل على صاحبكم بمكة في هذا الحين؟ فقال له عمرو: لقد أنـزل عليه سورة وجيزة بليغة فقال: وما هي؟ فقال: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ففكر ساعة ثم رفع رأسه فقال: ولقد أنـزل عليَّ مثلها، فقال: وما هو؟ فقال: يا وبْر يا وبْر، إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حقر فقر، ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم أني لأعلم إنك تكذب .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جـفـون الـقـمـر

جـفـون الـقـمـر


انثى عدد المساهمات : 160
نقاط : 4
تاريخ التسجيل : 19/05/2010

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح وتفسير القرآن الكريم   شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Icon_minitimeالأربعاء يونيو 02, 2010 10:42 am

الأيه(25)
من سورة البقرة

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 1

وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)



لما ذكر تعالى ما أعده لأعدائه من الأشقياء الكافرين به وبرسله من العذاب والنكال، عَطف بذكر حال أوليائه من السعداء المؤمنين به وبرسله، الذين صَدَّقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة، وهذا معنى تسمية القرآن "مثاني" على أصح أقوال العلماء، كما سنبسطه في موضعه، وهو أن يذكر الإيمان ويتبعه بذكر الكفر، أو عكسه، أو حال السعداء ثم الأشقياء، أو عكسه. وحاصله ذكر الشيء ومقابله. وأما ذكر الشيء ونظيره فذاك التشابه، كما سنوضحه إن شاء الله؛ فلهذا قال تعالى: ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ) فوصفها بأنها تجري من تحتها < 1-204 > الأنهار، كما وصف النار بأن وقودها الناس والحجارة، ومعنى ( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ) أي: من تحت أشجارها وغرفها، وقد جاء في الحديث: أن أنهارها تجري من غير أخدود، وجاء في الكوثر أن حافتيه قباب اللؤلؤ المجوف، ولا منافاة بينهما، وطينها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والجوهر، نسأل الله من فضله [وكرمه] إنه هو البر الرحيم.

وقال ابن أبي حاتم: قرئ على الربيع بن سليمان: حدثنا أسد بن موسى، حدثنا ابن ثوبان، عن عطاء بن قرّة، عن عبد الله بن ضمرة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنهار الجنة تُفَجَّر من تحت تلال -أو من تحت جبال-المسك" .

وقال أيضا: حدثنا أبو سعيد، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، قال: قال عبد الله: أنهار الجنة تفجر من جبل مسك.

وقوله تعالى: ( كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ) قال السدي في تفسيره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مُرّة عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة: ( قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ) قال: إنهم أتوا بالثمرة في الجنة، فلما نظروا إليها قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل في [دار] الدنيا.

وهكذا قال قتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ونصره ابن جرير.

وقال عكرمة: ( قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ) قال: معناه: مثل الذي كان بالأمس، وكذا قال الربيع بن أنس. وقال مجاهد: يقولون: ما أشبهه به.

قال ابن جرير: وقال آخرون: بل تأويل ذلك هذا الذي رزقنا من ثمار الجنة من قبل هذا لشدة مشابهة بعضه بعضًا، لقوله تعالى: ( وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ) قال سُنَيْد بن داود: حدثنا شيخ من أهل المِصِّيصة، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: يؤتى أحدهم بالصحفة من الشيء، فيأكل منها ثم يؤتى بأخرى فيقول: هذا الذي أوتينا به من قبل. فتقول الملائكة: كُلْ، فاللون واحد، والطعم مختلف.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا عامر بن يَسَاف، عن يحيى بن أبي كثير قال: عشب الجنة الزعفران، وكثبانها المسك، ويطوف عليهم الولدان بالفواكه فيأكلونها ثم يؤتون بمثلها، فيقول لهم أهل الجنة: هذا الذي أتيتمونا آنفا به، فيقول لهم الولدان: كلوا، فإن اللون واحد، والطعم مختلف. وهو قول الله تعالى: ( وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا )

وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: ( وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ) قال: يشبه < 1-205 > بعضه بعضًا، ويختلف في الطعم.

وقال ابن أبي حاتم: ورُوي عن مجاهد، والربيع بن أنس، والسدي نحو ذلك.

وقال ابن جرير بإسناده عن السدي في تفسيره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مُرّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة، في قوله تعالى: ( وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ) يعني: في اللون والمرأى، وليس يشتبه في الطعم.

وهذا اختيار ابن جرير.

وقال عكرمة: ( وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ) قال: يشبه ثمر الدنيا، غير أن ثمر الجنة أطيب.

وقال سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أبي ظِبْيان، عن ابن عباس، لا يشبه شَيءٌ مما في الجنة ما في الدنيا إلا في الأسماء، وفي رواية: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء. رواه ابن جرير، من رواية الثوري، وابن أبي حاتم من حديث أبي معاوية كلاهما عن الأعمش، به.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: ( وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ) قال: يعرفون أسماءه كما كانوا في الدنيا: التفاح بالتفاح، والرمان بالرمان، قالوا في الجنة: هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا، وأتوا به متشابها، يعرفونه وليس هو مثله في الطعم.

وقوله تعالى: ( وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ) قال ابن أبي طلحة، عن ابن عباس: مطهرة من القذر والأذى.

وقال مجاهد: من الحيض والغائط والبول والنخام والبزاق والمني والولد.

وقال قتادة: مطهرة من الأذى والمأثم. وفي رواية عنه: لا حيض ولا كلف. وروي عن عطاء والحسن والضحاك وأبي صالح وعطية والسدي نحو ذلك.

وقال ابن جرير: حدثني يونس بن عبد الأعلى، أنبأنا ابن وهب، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال: المطهرة التي لا تحيض. قال: وكذلك خلقت حواء، عليها السلام، حتى عصت، فلما عصت قال الله تعالى: إني خلقتك مطهرة وسأدميك كما أدميت هذه الشجرة. وهذا غريب.

وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا إبراهيم بن محمد، حدثني جعفر بن محمد بن حرب، وأحمد بن محمد الجُوري قالا حدثنا محمد بن عبيد الكندي، حدثنا عبد الرزاق بن عمر البَزيعيّ، حدثنا عبد الله بن المبارك عن شعبة، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ( وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ) قال: "من الحيض والغائط والنخاعة والبزاق" .

هذا حديث غريب. وقد رواه الحاكم في مستدركه، عن محمد بن يعقوب، عن الحسن بن علي بن عفان، عن محمد بن عبيد، به، وقال: صحيح على شرط الشيخين.

< 1-206 >

وهذا الذي ادعاه فيه نظر؛ فإن عبد الرزاق بن عمر البزيعي هذا قال فيه أبو حاتم بن حبان البُسْتي: لا يجوز الاحتجاج به .

قلت: والأظهر أن هذا من كلام قتادة، كما تقدم، والله أعلم.

وقوله تعالى: ( وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) هذا هو تمام السعادة، فإنهم مع هذا النعيم في مقام أمين من الموت والانقطاع فلا آخر له ولا انقضاء، بل في نعيم سرمدي أبدي على الدوام، والله المسؤول أن يحشرنا في زمرتهم، إنه جواد كريم، بر رحيم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جـفـون الـقـمـر

جـفـون الـقـمـر


انثى عدد المساهمات : 160
نقاط : 4
تاريخ التسجيل : 19/05/2010

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح وتفسير القرآن الكريم   شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Icon_minitimeالأربعاء يونيو 02, 2010 10:44 am

الأية(26)

من سورة البقرة

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 1

إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ (26)




قال السدي في تفسيره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس -وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة: لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين، يعني قوله: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا [البقرة: 17] وقوله أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ [البقرة: 19] الآيات الثلاث، قال المنافقون: الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال، فأنـزل الله هذه الآية إلى قوله: ( هُمُ الْخَاسِرُونَ )

وقال عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن قتادة: لما ذكر الله العنكبوت والذباب، قال المشركون: ما بال العنكبوت والذباب يذكران؟ فأنـزل الله [تعالى هذه الآية] ( إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ) .

وقال سعيد، عن قتادة : أي إن الله لا يستحيي من الحق أن يذكر شيئا ما، قل أو كثر، وإن الله حين ذكر في كتابه الذباب والعنكبوت قال أهل الضلالة: ما أراد الله من ذكر هذا؟ فأنـزل الله: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا )

قلت: العبارة الأولى عن قتادة فيها إشعار أن هذه الآية مكية، وليس كذلك، وعبارة رواية سعيد، عن قتادة أقرب والله أعلم. وروى ابن جُرَيج عن مجاهد نحو هذا الثاني عن قتادة.

وقال ابن أبي حاتم: روي عن الحسن وإسماعيل بن أبي خالد نحو قول السدي وقتادة.

وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس في هذه الآية قال: هذا مثل ضربه الله للدنيا؛ إذ < 1-207 > البعوضة تحيا ما جاعت، فإذا سمنت ماتت. وكذلك مثل هؤلاء القوم الذين ضرب لهم هذا المثل في القرآن، إذا امتلؤوا من الدنيا ريا أخذهم الله تعالى عند ذلك، ثم تلا فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام: 44] .

هكذا رواه ابن جرير، ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، بنحوه، فالله أعلم.

فهذا اختلافهم في سبب النـزول، وقد اختار ابن جرير ما حكاه السُّدي؛ لأنه أمس بالسورة، وهو مناسب، ومعنى الآية: أنه تعالى أخبر أنه لا يستحيي، أي: لا يستنكف، وقيل: لا يخشى أن يضرب مثلا ما، أي: أيّ مثل كان، بأي شيء كان، صغيرًا كان أو كبيرًا.

و "ما" هاهنا للتقليل وتكون ( بَعُوضَةً ) منصوبة على البدل، كما تقول: لأضربن ضربًا ما، فيصدق بأدنى شيء [أو تكون "ما" نكرة موصوفة ببعوضة] . واختار ابن جرير أن ما موصولة، و ( بَعُوضَةً ) معربة بإعرابها، قال: وذلك سائغ في كلام العرب، أنهم يعربون صلة ما ومن بإعرابهما لأنهما يكونان معرفة تارة، ونكرة أخرى، كما قال حسان بن ثابت:

وَكَــفَى بِنَا فَضْـلا عَلَى مَنْ غَيْرِنَا

حُــب النَّبِيِّ مُحَمَّـدٍ إيَّانَـا



قال: ويجوز أن تكون ( بَعُوضَةً ) منصوبة بحذف الجار، وتقدير الكلام: إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بين بعوضة إلى ما فوقها.

[وهذا الذي اختاره الكسائي والفراء. وقرأ الضحاك وإبراهيم بن أبي عبلة ورويت "بعوضة" بالرفع، قال ابن جني: وتكون صلة لما وحذف العائد كما في قوله: تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ [الأنعام: 154] أي: على الذي أحسن هو أحسن، وحكى سيبويه: ما أنا بالذي قائل لك شيئا، أي: يعني بالذي هو قائل لك شيئًا] .

وقوله: ( فَمَا فَوْقَهَا ) فيه قولان: أحدهما: فما دونها في الصغر، والحقارة، كما إذا وصف رجل باللؤم والشح، فيقول السامع : نعم، وهو فوق ذلك، يعني فيما وصفت. وهذا قول الكسائي وأبي عبيدة، قال الرازي: وأكثر المحققين، وفي الحديث: "لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء" . والثاني: فما فوقها: فما هو أكبر منها؛ لأنه ليس شيء أحقر ولا أصغر من البعوضة. وهذا [قول قتادة بن دعامة و] اختيار ابن جرير. < 1-208 > [ويؤيده ما رواه مسلم عن عائشة، رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة" ] .

فأخبر أنه لا يستصغر شيئًا يَضْرب به مثلا ولو كان في الحقارة والصغر كالبعوضة، كما [لم يستنكف عن خلقها كذلك لا يستنكف من] ضرب المثل بالذباب والعنكبوت في قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج: 73]، وقال: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت: 41] وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم: 24-27]، وقال تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ [وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا] الآية [النحل: 75]، ثم قال: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ [هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ] الآية [النحل: 76]، كما قال: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ الآية [الروم: 28]. وقال: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ [وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ] الآية [الزمر: 29]، وقد قال تعالى: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ [العنكبوت: 43] وفي القرآن أمثال كثيرة.

قال بعض السلف: إذا سمعت المثل في القرآن فلم أفهمه بكيت على نفسي؛ لأن الله تعالى يقول: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ

وقال مجاهد قوله: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ) الأمثال صغيرها وكبيرها يؤمن بها المؤمنون ويعلمون أنها الحق من ربهم، ويهديهم الله بها.

وقال قتادة: ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ) أي: يعلمون أنه كلام الرحمن، وأنه من عند الله.

وروي عن مجاهد والحسن والربيع بن أنس نحو ذلك.

وقال أبو العالية: ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ) يعني: هذا المثل: ( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا ) كما قال في سورة المدثر: وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ [المدثر: 31]، < 1-209 > وكذلك قال هاهنا: ( يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ )

قال السدي في تفسيره، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس -وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة: ( يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا ) يعني: المنافقين، ( وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ) يعني المؤمنين، فيزيد هؤلاء ضلالة إلى ضلالهم لتكذيبهم بما قد علموه حقًا يقينًا، من المثل الذي ضربه الله بما ضربه لهم وأنه لما ضربه له موافق، فذلك إضلال الله إياهم به ( وَيَهْدِي بِهِ ) يعني بالمثل كثيرًا من أهل الإيمان والتصديق، فيزيدهم هدى إلى هداهم وإيمانًا إلى إيمانهم، لتصديقهم بما قد علموه حقًا يقينًا أنه موافق ما ضربه الله له مثلا وإقرارهم به، وذلك هداية من الله لهم به ( وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ ) قال: هم المنافقون .

وقال أبو العالية: ( وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ ) قال: هم أهل النفاق. وكذا قال الربيع بن أنس.

وقال ابن جريج عن مجاهد، عن ابن عباس: ( وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ ) يقول: يعرفه الكافرون فيكفرون به.

وقال قتادة: ( وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ ) فسقوا، فأضلهم الله على فسقهم.

وقال ابن أبي حاتم: حُدّثتُ عن إسحاق بن سليمان، عن أبي سِنان، عن عمرو بن مرة، عن مصعب بن سعد، عن سعد ( يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا ) يعني الخوارج.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عــيــون الــقــمــر

عــيــون الــقــمــر


انثى عدد المساهمات : 461
نقاط : 60
تاريخ التسجيل : 04/05/2010
الموقع : https://demo3al2mar.mam9.com
العمل/الترفيه : قراءة القصص القصيرة
المزاج : رايقة

شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: شرح وتفسير القرآن الكريم   شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Icon_minitimeالإثنين يونيو 07, 2010 7:34 am

ما شاء الله

موضوع يجمع بين حروفه الدنيا وما فيهااا

جزاك الله كل خير

تقبل مروورى


شرح وتفسير القرآن الكريم - صفحة 2 Attachment
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شرح وتفسير القرآن الكريم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
دموع القمر :: عــــــألـــــم الأســــلامــــيـــات :: عــــــــألــــــــم الأســـــــلامـــــيـــــات-
انتقل الى: