إحسان عبدالقدوس
ولد إحسان عبد القدوس في 1 يناير 1929 وفي طفولته كانت هوايته المفضلة هي القراءة والمطالعة، وقد اهتم والده وهو الفنان ( عبدالقدوس ) بحسن تعليمه وتشجيعه علي القراءة، وقد كان إحسان تلميذا بمدرسه السلحدار حتي تخرج من كلية الحقوق بجامعه القاهرة عام 1942 ثم عمل كمحامي تحت التمرين بمكتب أحد كبار المحامين وهو المحامي ادوارد قصيري ثم التحاقه بعدها بالعمل في مجلــة روزاليوسف في عام 1944 .
بدأ إحسان عبد القدوس كتابة نصوص افلام وقصص قصيرة وروايات وبعد ذلك ترك مهنة المحاماة ووهب نفسة للصحافة والادب فقد شعر ان الادب والصحافة بالنسبة له كانا من ضروريات الحياة التي لا غني عنها، واصبح بعد اقل من بضعة سنوات صحفي متميز ومشهور، وراوئى، وكاتب سياسي، وبعد ان العمل في روزاليوسف تهيأت له كل الفرص والظروف للعمل في جريده الاخبار لمده8 سنوات ثم عمل بجريده الأهرام وعين رئيسا لتحريرها.
كان لإحسان عبدالقدوس شخصية محافظة للغاية، لدرجة أن شخصيته تتناقض مع كتاباته، فالبيئة التي تربى ونشأ فيها جعلت منه انسانا محافظاً لأبعد الحدود فقد كان ملتزما بالمعنى الاجتماعي، فلم يكن يسمح لزوجته بان تخرج من البيت بمفردها، وعندما يكون مسافرا يطلب منها الا تخرج، بل وترفض كل الدعوات التي توجه اليها مهما كانت، بل انه كان صعبا معها في موضوع الملابس، لدرجة انه كان يشترط عليها ان تكون ملابسها محتشمة لا تصف ولا تشف !!
وقد بلغ من محافظة احسان والتزامه ان امه السيدة روزا اليوسف ارسلت اخته اليه التي كانت اكثر تحررا كي يعاقبها بنفسه، فقد كانت اخته تركب "البسكلتة" مع ابن الجيران، فارادت والدته ان تضع حدا لشقاوتها مع ابن الجيران، فارسلتها الى اخيها لتعيش معه في العباسية !
إن أدب احسان عبد القدوس يمثل نقله نوعيه متميزه في الروايه العربيه الي جانب ابناء جيله الكبار من امثال نجيب محفوظ ويوسف السباعي ومحمد عبد الحليم عبد الله, لكن احسان تميز عنهم جميعا بامرين احدهما انه تربي في حضن الصحافه, وتغذي منذ نعومه اظفاره علي قاعده البيانات الضخمه التي تتيحها الصحافه لاختراق طبقات المجتمع المختلفه وكانت الصحافه, وصالون روزاليوسف والعلاقات المباشره بكبار الادباء والفنانين والسياسيين ونجوم المجتمع هي المنبع الذي اتاح لاحسان عبد القدوس ان يصور الجوانب الخفيه في الحياه المصريه ويتخطي بذلك كثيرا من الحواجز التي حالت بين زملائه وبين معرفه هذه البيانات، اما الميزه الثانيه لادب احسان فهي انه كان عميق الايمان بقضيه الحريه, بمختلف مستوياتها السياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه.
في قصته : ياعزيزي كلنا لصوص ، يتابع احسان عبدالقدوس روح اللصوصية واغتصاب حقوق الغير ، التي تنتقل من الحرامية التقليديين الى نماذج اجتماعية كانت محسوبة ضمن الشرائح الغنية ذات السلطة والقوة والنفوذ ، إلى ان تصل الى الرأس الكبيرة التي تضلل الجميع بواجهات كاذبة براقة وأقنعة مغشوشة تستتر خلفها التمارس مهام الحرامي التقليدي بكفاءة اكبر ودون اثارة للريب أو التعرض للمساءلة الجنائية..لقد تحول كل مجتمع القصة الى لصوص وان اختلفت فئاتهم ودرجاتهم ، وهذا الترتيب الطبقي للحرامية يفرض للص الأكبر نصيبا واجبا من سرقات الصغار ، حتى تستمر آليات النظام في ممارسة السلب والنهب والاغتصاب.
عاش إحسان عبدالقدوس ودرس ككاتب سياسي وروائي فهو ينتسب لجيل الاربعينيات المجيد وهو نفس جيل ضباط يوليو1952, فلقد عاش كصحفي يؤمن بحريه الرأي والتعدديه وحق الاختلاف وسط الغليان السياسي الذي يجسد انهيارات النظام الملكي في مصر فكان موقف احسان السياسي هو رفض النظام الملكي والاحزاب التقليديه, فلم يكن إحسان يؤمن بزعيم معين من القدامي ودرس كطالب في الحقوق واحتك بالقوي السياسيه الجديده ووضع مجتمع الاربعينيات السياسي والاقتصادي والاجتماعي المازوم .. فاختار استقلاليه الراي وكان صوتا ديمقراطيا يدعو إلى الحرية ويابى الاستبداد والتسلط ولا جدال ان البيئه الفنيه والصحفيه التي تفتح عليها وعيه ساعدته علي شق طريقه الصحفي فالاب محمد عبدالقدوس كاتب ومثقف مهندس وممثل له تميزه والام فاطمه اليوسف سيده عربيه عظيمه شقت طريقها منذ ان جاءت الي مصر في العشرينيات صبيه مهاجره من لبنان واصبحت من رموز مسرح رمسيس وانتهى الحال بإحسان عبدالقدوس في بعض الأحيان إلى السجن لدفاعه عن أفكار ومبادىء يؤمن بها ويدعو إليها بينما يرفضها كثيرون على أرض الواقع !!
الدليل على تمسكه بآرائه وعدم قدرته على البقاء في وجه أعداء الكلمة أنه ترك عام(1974) رئاسه مؤسسه( اخبار اليوم) لخلاف مع( انور السادات) وقيل بسبب نشر مقالات لمصطفي امين بعد خروجه من السجن دون علم احسان واصبح كاتبا متفرغا بالاهرام, ثم اصبح عام1975 رئيسا لمؤسسه وتحرير الاهرام ثم تركها فجاه بعد شهور وقيل بسبب رفض احسان نقل بعض من كتاب وصحفيين يساريين, كذلك رفض اغلاق( مجله الطليعه) التي كان يراسها لطفي الخولي وسافر الي الخارج فتره ثم عاد كاتبا متفرغا في الاهرام, ولاحظ القاريء حينها انه صمت عن الكتابه في السياسه وانفجرت موهبته القصصيه والروائيه فابدع كما غزيرا من الاعمال بعد قراره الا يتولي مناصب صحفيه او رسميه( عرض عليه السادات ان يصبح وزيرا فاعتذر) وبعد تركه للاهرام باجراء حوار وتم فعلا ونشر بمجله( الدوحه) القطريه اثناء ازدهارها تحت رئاسه( رجاء النقاش) كانت تدور عن صمته عن الكتابه السياسيه وقربه وزمالته للسادات منذ عام1948 ومعرفته بعبد الناصر منذ1950 قبل الثوره.
ويقول الدكتور مفيد شهاب وزير التعليم العالي والدوله والبحث العلمي عن احسان عبد القدوس ومعركته مع الحياه : منذ ان كان تلميذا بمدرسه السلحدار حتي تخرج في كليه الحقوق بجامعه القاهرة ثم اشتغاله بالمحاماه لمده عام ثم التحاقه بعدها بالعمل في روزاليوسف ودخوله السجن بسبب احدي مقالاته. وتهيات له كل الفرص والظروف للعمل في جريده الاخبار لمده8 سنوات ثم عمل بجريده الاهرام وعين رئيسا لتحريرها ، وكان احسان المناضل الوطني الذي اثار قضايا الاسلحه الفاسده انطلاقا من مناهضته للفساد السياسي واسهب احسان في الحديث عن الحريه في اعماله الادبيه والصحفيه حتي امتزجت لديه النزعه الادبيه الاصيله مع الحرفه الصحفيه.وكانت كتابات احسان بالمقارنه بزميله نجيب محفوظ ويوسف السباعي اقرب الي روح الشباب كما كانت رواياته تصدر عن حس وطني مؤثر فنجد روايه في بيتنا رجل تدعو للمشاركه السياسية وايضا علي مقهي في الشارع السياسي تكشف عن حبه العميق لوطنه.
وتقول الكاتبة وداد الكواري في مقال لها من جريدة الاتحاد الإماراتية : لم يتعرض كاتب عربي، على ما أذكر، للهجوم، بقدر ما تعرض الكاتب القدير إحسان عبدالقدوس. وكلما قرأت له وعنه ازداد تقديري وإعجابي به، ولعلّه من الكتّاب القلائل الذين آمنوا بما كتبوا ولم تختلف مبادئهم الخاصة، عن المبادئ التي سطّروها على الورق. لقد اضطرت والدته "روز اليوسف"، لـمّـا رأت أنه موشك على الانهيار، إلى إطْلاعه على ما كُتب عنها في مجلة اسمها "الكشكول"، تخصصت في الشتم ببذاءة. فلمّا قرأ ما كُتب عن أُمه وكيف استمرت ونجحت، على الرغم من عنف وقسوة الهجوم، استردّ ثقته بنفسه. ومن الغريب أن أعداءه كان أغلبهم من أبناء مهنته، وكانوا يتحيَّنون الفرص لاصطياد، أو افتعال أي خطأ قد يُطيح به أو يوقفه عن الكتابة، فأشاعوا ذات مرة أن روايته "أنف وثلاث عيون" يقصد بها الرئيس جمال عبدالناصر، وجعلوا بعض رجال الدين يحتجون على كلمة في عنوان برنامج إذاعي شهير، كان يُقدِّمه في الإذاعة، وكان البرنامج ناجحاً بكل المقاييس. واضطر عبدالناصر إلى التدخل، وطلب منه أن يُغيِّر هذه الكلمة، لكنه رفض وترك البرنامج. وكانت الكلمة هي "الحــب"، فبدلاً من أن يكون العنوان "تصبحون على حُب"، طلبوا منه أن تكون "محبَّـة". الغريب أيضاً، أنّ عبدالناصر بات يستعمل الكلمة نفسها، التي طلب من إحسان حذفها. وعندما فاق توزيع قصة "البنات والصيف" كل التوقعات، طالب المثقفون بمنعها، وتم لهم ذلك، فما كان من إحسان إلاّ أن بعث رسالة إلى الرئيس عبدالناصر يقول فيها: "أنا لا أتعمَّد اختيار نوع مُعيَّن من القصص، أو اتجاه مُعيَّن، ولكن تفكيري في القصة يبدأ دائماً بالتفكير في عيوب المجتمع، وفي العُقَد النفسية التي يُعانيها الناس، وعندما أنتهي من دراسة زوايا المجتمع، أُسجل دراستي في قصة. وكل القصص التي كتبتها كانت دراسة صادقة وجريئة لعيوب مجتمعنا، وهي عيوب قد يجهلها البعض، ولكنْ الكثيرون يعرفونها، وهي عيوب تحتاج إلى جرأة الكاتب، حتى يتحمّل مسؤولية مواجهة الناس بها. والهدف من إبراز هذه العيوب، هو أن يحس الناس بأنّ أخطاءهم ليست أخطاء فردية، بل هي أخطاء مجتمع كامل، وأخطاء لها أسبابها وظروفها، ونشرها سيجعلهم يسخطون وسيؤدي بهم السخط إلى الاقتناع بضرورة التعاون في وضع تقاليد جديدة لمجتمعنا، تتسع للتطور الكبير الذي نجتازه، وتحمي بناتنا وأبناءنا من الأخطاء التي يتعرضون لها، نتيجة هذا التطور. ولقد بدأ الناس يسخطون فعلاً، لكنهم بدلاً من أن يسخطوا على أنفسهم وعلى المجتمع، سخطوا على الكاتب".
وإحسان الذي كَتَبَ عن الحب، كتب في السياسة أيضاً، وهو مَن فَضَحَ قضية الأسلحة الفاسدة، وكانت المكافأة التي تلقّاها من الثورة، التي وقف معها، ثماني جنيهات، ثمناً لمجلتي "روز اليوسف"، و"صباح الخير"، اللتين أسستهما والدته من تعبها وعرقها. ولم يسلَم إحسان من القهر حيّاً وميتاً. فبعد مماته أعطى بعض الناشرين أنفسهم الحق في تحريف كتبه، وحذف وإضافة ما يرغبون، لولا أن تصدّى لهم ابنه وقاتل بشراسة لكي تُطبع كما هي. رحم اللّه عبدالقدوس، الذي كان فريداً ولم نُحسن تقديره.
وان ادب إحسان قد نجح في الخروج من المحلية الي حيز العالمية, وقد ترجمت العديد من روايات وكتب هذا الأديب العريب الكبير إلى لغات أجنبية كاالانجليزية، والفرنسية، والاوكرانية، والصينية، والالمانية إلى أن توفي احسان عبد القدوس في 11 يناير 1990، ومازال اسمه يلمع عالميا بأعماله وابداعاته المتميزه.
من أهم أعماله : كان إحسان عبد القدوس كاتب مثمر، فبجانب اشتراكه المتميز بالصحافة كتب مايلي :
49 رواية تم تحويلهم جميعا نصوص للأفلام.
5 روايات تم تحويلهم الي نصوص مسرحية.
9 روايات تم تحويلهم الي مسلسلات اذاعية.
10 روايات تم تحويلهم الي مسلسلات تليفزيونية.
56 كتاب متنوع.
من أشهر القصص والروايات التي صاغها إحسان عبدالقدوس وقد صيغ الكثير منها كأعمال تلفزيونية وسينمائية :
أنا حرة ، أصابع بلا يد ، في بيتنا رجل ، لا تتركني وحدي ، أنف وثلاثة عيون ، شيء في صدري ، نصف الحقيقة ، النساء لهن اسنان بيضاء ، تائه بين السماء والأرض ، الخيط الرفيع ، لقد أصبحت رشيقة ، هذا أحبه وهذا أريده ، الطريق المفقود ، لا شيء يهم ، ارجوك اعطني هذا الدواء ، ايام في الحلال ، بعيدا عن الارض ، العذراء والشعر الابيض ، ابي فوق الشجره، لا تطفىء الشمس ، لا أنام ، الحب الأول وهم كبير ، قبضة ضم ، زوجة وسكرتيرة ، الوسادة الخالية .
جوائز حصل عليها الكاتب الكبير احسان عبد القدوس :
وسام الاستحقاق من الدرجة الاولي منحة له الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وسام الجمهورية من الدرجة الاولي منحة له الرئيس محمد حسني مبارك في عام 1990.
الجائزة الاولي عن روايته : دمي ودموعي وابتساماتي " في عام 1973.
جائزة احسن قصة فيلم عن روايته "الرصاصة لا تزال في جيبي
رحل إحسان فى الحادى عشر من يناير عام ١٩٩٠ وانطلقت الأقلام الرفيعة تصف الرجل ومسيرته التى امتدت لأكثر من نصف قرن وقد سجل العديد من الكتب بعضا من هذه الشهادات.